في مشهد يجسد الطموح والرؤية المستقبلية، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال كلمته بالجلسة الختامية للمنتدى الاقتصادي على هامش القمة المصرية الأوروبية الأولى في بروكسل، أن موقع مصر الاستراتيجي يجعلها نقطة التقاء محورية بين قارات العالم الثلاث، ومركزًا واعدًا للشركات الأوروبية الساعية للتوسع في الأسواق الإفريقية والعربية وحتى الأوروبية ذاتها.
هذا التصور لا يقتصر على الموقع الجغرافي فحسب، بل يستند إلى بنية تحتية متطورة، واتفاقيات تجارة حرة، وحوافز استثمارية تجعل من مصر بيئة مثالية لجذب رؤوس الأموال وبناء الشراكات طويلة الأمد.
موقع استراتيجي واتفاقيات تفتح الأبواب أمام 1.5 مليار مستهلك
قال الرئيس السيسي إن مصر تمتلك شبكة واسعة من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول القارات الثلاث، إلى جانب اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية، مما يمنح الشركات الأوروبية فرصة الوصول إلى أكثر من 1.5 مليار مستهلك.
وأوضح أن مصر تقع على أهم الممرات المائية والبرية العالمية، مثل قناة السويس والموانئ البحرية المطلة على البحرين الأحمر والمتوسط، وهو ما يجعلها حلقة وصل أساسية في حركة التجارة الدولية.
كما أشار الرئيس إلى أن الدولة المصرية توفر للمستثمرين الأوروبيين منظومة متكاملة من الحوافز، تشمل الإعفاءات الضريبية وسهولة تحويل الأرباح، وتوافر العمالة المدربة منخفضة التكلفة والطاقة بأسعار تنافسية، إلى جانب الأمن والاستقرار السياسي والمؤسسي الذي تتمتع به البلاد.
السيسي: نريد شراكة إنتاجية لا مجرد سوق استهلاكي
وفي كلمته الموجهة لمجتمع الأعمال الأوروبي، شدد الرئيس السيسي على أن مصر لا تسعى لأن تكون مجرد سوق استهلاكي واعد، بل شريك إنتاجي موثوق يمكن أن يحتضن خطوط إنتاج أوروبية تخدم الأسواق العالمية بكفاءة وتكلفة تنافسية.
وأكد حرص الدولة على مواصلة الحوار مع مجتمع الأعمال الأوروبي لتجاوز أي تحديات قد تواجه الاستثمارات، ودعم الشركات التي ترغب في التوسع داخل السوق المصرية.
الاتحاد الأوروبي.. الشريك التجاري الأول لمصر
كشف الرئيس السيسي أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري والاستثماري الأول لمصر، حيث تمثل دوله نحو 27% من حجم التجارة الخارجية المصرية في عام 2024، كما تمثل 32% من إجمالي أرصدة الاستثمار الأجنبي المباشر داخل مصر خلال العام ذاته.
وأشار إلى أن النقاشات خلال جلسات المنتدى تناولت مقترحات مهمة، أبرزها دراسة إنشاء ممر استثماري أوروبي في مصر يكون بوابة للأسواق الإفريقية والعربية، بما يعزز مكانة مصر كمنصة لتوزيع المنتجات الأوروبية في المنطقة.
منتدى اقتصادي يفتح صفحة جديدة في العلاقات المصرية الأوروبية
أكد الرئيس السيسي أن المنتدى الاقتصادي المنعقد على هامش القمة المصرية الأوروبية يمثل محطة جديدة في مسار العلاقات بين القاهرة وبروكسل، ويمهد لمرحلة جديدة من التعاون القائم على الشراكة المتكافئة.
وأوضح أن الجلسات تناولت سبل تعميق اندماج مصر في سلاسل الإمداد الأوروبية، ودور القطاع الخاص في تحقيق التنمية، مشيرًا إلى التزام الدولة المصرية الكامل بدعم هذا القطاع باعتباره محركًا رئيسيًا للتنمية الاقتصادية.
رؤية اقتصادية متكاملة
قال الدكتور رمضان مَعن، رئيس قسم الاقتصاد والمالية العامة بجامعة طنطا، إن تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة المصرية الأوروبية في بروكسل تعكس رؤية استراتيجية واضحة لتحويل موقع مصر الجغرافي إلى مركز إنتاجي وتصديري يخدم القارات الثلاث: أفريقيا، وآسيا، وأوروبا.
سلاسل الإمداد العالمية
وأوضح الخبير الاقتصادي أن حديث الرئيس عن النفاذ إلى أكثر من 1.5 مليار مستهلك من خلال شبكة الاتفاقيات التجارية، يُظهر أن الدولة المصرية بدأت تعتمد منهجًا اقتصاديًا تكامليًا يربط بين موقعها الجغرافي والبنية التحتية الحديثة والموانئ المتطورة، مما يجعلها نقطة عبور رئيسية في سلاسل الإمداد العالمية.
ممرات استثمارية وإنتاج مشترك يخدم مصالح الجانبين
وأضاف مَعن أن المنتدى الاقتصادي الذي انعقد على هامش القمة يمثل تحولًا نوعيًا في علاقة مصر بالاتحاد الأوروبي، إذ لم يعد التعاون يقتصر على التبادل التجاري التقليدي، بل أصبح الحديث عن ممرات استثمارية وإنتاج مشترك يخدم مصالح الجانبين، لافتًا إلى أن هذا الطرح يعيد تعريف الشراكة بين القاهرة وبروكسل من كونها علاقة “مورد ومستهلك” إلى تحالف إنتاجي واستثماري طويل الأمد.
وأشار إلى أن حزمة الحوافز التي تحدث عنها الرئيس السيسي مثل الإعفاءات الضريبية وسهولة تحويل الأرباح وتوافر العمالة المدربة والطاقة بأسعار تنافسية هي عناصر جذب رئيسية للشركات الأوروبية، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف التشغيل داخل القارة الأوروبية بعد أزمة الطاقة والحرب في أوكرانيا.
وتابع: “إن مصر تمتلك اليوم ميزة نسبية في تكلفة الإنتاج، وإذا نجحت في تسويق نفسها كمركز تصنيع للشركات الأوروبية التي تسعى لخفض تكاليفها دون فقدان قربها من الأسواق الأوروبية، فستتحول إلى قاعدة تصنيعية بديلة عن شرق آسيا في بعض الصناعات”.
التنمية الوطنية ورؤية مصر 2030
وأكد الدكتور رمضان مَعن أن هذا التوجه يتماشى مع أولويات التنمية الوطنية ورؤية مصر 2030، التي تقوم على جذب الاستثمارات النوعية، وتعميق التصنيع المحلي، وزيادة القيمة المضافة للصادرات المصرية.
وختم بقوله: “القمة المصرية الأوروبية تمثل نقطة انطلاق نحو شراكة اقتصادية أكثر نضجًا وتوازناً، لأن أوروبا تحتاج اليوم إلى شريك مستقر ومؤهل في الجنوب، ومصر بدورها تمتلك المقومات لتكون ذلك الشريك بفضل استقرارها السياسي وتطور بنيتها التحتية”.
شراكة ناضجة تقودها مصر بثقة
القمة المصرية الأوروبية في بروكسل تمثل نقطة تحول استراتيجية في مسار التعاون بين الجانبين، إذ تعكس نضج العلاقة الاقتصادية وارتكازها على المصالح المشتركة لا المعادلات التقليدية.
فأوروبا اليوم بحاجة إلى شريك مستقر وذي موقع متميز في الجنوب، ومصر بدورها تمتلك كل المقومات من الاستقرار السياسي والبنية التحتية الحديثة إلى الكفاءات البشرية والطاقة التنافسية لتكون هذا الشريك الحقيقي الذي يربط بين القارات الثلاث ويفتح أبواب التنمية المتبادلة.
0 تعليق