ثمن التكنولوجيا.. كيف يدمر الذكاء الاصطناعي مهاراتنا دون أن نشعر؟ - الفجر سبورت

صدي 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في زمن تتسارع فيه التقنيات بوتيرة غير مسبوقة، بات الذكاء الاصطناعي قادرا على كتابة المقالات، تلخيص الكتب، وحل المشكلات المعقدة في ثوان مهام كانت تتطلب من الإنسان جهدا ذهنيا يمتد لدقائق أو ساعات. 

إلا أن هذا التقدم، رغم فوائده، يثير مخاوف متزايدة بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي العميق على القدرات البشرية الأساسية، مثل التفكير النقدي واللغة الإبداعية.

هل يهدد الذكاء الاصطناعي قدرتنا على التفكير والإبداع؟

بحسب أبحاث في علم النفس والأعصاب، فإن الاعتماد الزائد على التكنولوجيا قد يعيد تشكيل أدمغتنا، وليس مجرد دعمها.

أظهرتإحدى الدراسات الكلاسيكية أن الأشخاص الذين يستخدمون أنظمة الملاحة GPS باستمرار يواجهون تراجعا في قدرتهم على بناء خرائط ذهنية، على عكس سائقي التاكسي في لندن الذين كانوا يحفظون آلاف الشوارع قبل عصر الأقمار الصناعية، ما أدى إلى تضخم في منطقة "الحصين" المرتبطة بالذاكرة المكانية.

واليوم، يتساءل باحثون: هل يمكن أن يحدث الذكاء الاصطناعي تأثيرا مشابها في مجالات التفكير واللغة؟

كلمات جاهزة على حساب الفهم

في البيئات التعليمية، يقبل الطلاب على أدوات الذكاء الاصطناعي لإنتاج نصوص متقنة في وقت قياسي، وبينما تبدو النتيجة لغويا ممتازة، يشير أساتذة إلى أن هذه النصوص كثيرا ما تفتقر للفهم العميق أو التفكير النقدي ما يعتبرونه تآكلا تدريجيا لقدرة الطالب على التفكير كممارسة إبداعية.

مراجعة علمية حديثة نشرت عام 2024 أظهرت أن الإفراط في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يضعف القدرات المعرفية، ويفضل الحلول السريعة على التفكير البطيء والعميق. 

كما كشفت دراسة ميدانية شملت 285 طالبا من باكستان والصين أن الذكاء الاصطناعي، رغم فعاليته في المهام المتكررة، يقلل من استخدام الإنسان لمهاراته الإدراكية والتحليلية، ويدفع نحو الكسل الذهني.

خطر يطال اللغة أيضا

المخاوف لا تقتصر على التفكير، بل تمتد إلى اللغة ذاتها، إذ يحذر متخصصون من “تآكل الكفاءة اللغوية” وهي ظاهرة تحدث عندما يتوقف الإنسان عن استخدام لغته بفعالية، مما يؤدي إلى فقدان تدريجي للقدرة على التعبير بها.

تشير نظريات علمية إلى أن الفكر واللغة ليسا كيانين منفصلين، بل تطةرا سويا عبر التاريخ الإنساني، فاللغة لا تنقل الأفكار فحسب، بل تساهم في تكوينها. 

ومن خلال الكلمات، يحول الإنسان مشاعره وتجربته إلى مفاهيم وقيم، ما يمنحه القدرة على التخيل والتأمل والتخطيط.

من تكنولوجيا مساعدة إلى تهديد للسيادة المعرفية

إذا تحولت اللغة إلى منتج تصنعه الخوارزميات وتستهلك جاهزا، فإن الخطر يتجاوز الفرد ليصل إلى المجتمع بأسره، إذ يحذر مختصون من أن الجهات التي تتحكم بالبنية الرقمية للغة قد تملك في المستقبل سلطة تشكيل الخيال والنقاش العام ما يهدد مفهوم "السيادة المعرفية".

في هذا السياق، قد نشهد مستقبلا سياسيا خاليا من الأصالة، تنتج فيه الشعارات والرسائل من قِبل خوارزميات، لا من وعي شعبي نابض بالنقاش والاختلاف، وهذا لا يعني بالضرورة رفض الذكاء الاصطناعي، بل توظيفه كأداة تعزز التفكير لا أن تحل محله.

استعادة اللغة كفعل حي

الخلاصة أن الحفاظ على التفكير الإبداعي والقدرة اللغوية لا يتطلب وعيا بالخطر فقط، بل ممارسة فعلية لاستخدام اللغة كوسيلة تفكير، لا كمنتج استهلاكي، فاستعادة حرية التعبير تبدأ من سعي الفرد لاختيار كلماته، ومن مقاومة الاكتفاء بما يقدم جاهزا من أدوات الذكاء الاصطناعي.

فقط من خلال هذا الجهد الواعي يمكن للإنسان أن يستعيد قدرته على التخيل، التأمل، وإعادة تشكيل المستقبل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق