ريهام العادلي تكتب: الذكاء الاصطناعي بين وعود المستقبل ومخاطر الاعتماد عليه - الفجر سبورت

صدي 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في السنوات الأخيرة، احتلّ الذكاء الاصطناعي مساحة استثنائية في حياتنا، حتى بات جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل يومية لم نكن نتخيل يومًا أن التكنولوجيا يمكن أن تتدخل فيها بهذه الدرجة ، وبينما أحاول دائمًا أن أواكب هذا التطور المذهل، أجد نفسي في حيرة بين شعورين متناقضين: الانبهار الشديد بما تقدمه هذه التقنيات من إمكانيات، والخوف العميق من حجم المخاطر التي قد تصاحب هذا التقدم إذا تم استخدامه دون وعي أو إدراك لحدوده.
ومن هنا تأتي رؤيتي الشخصية لهذا التحوّل الكبير، الذي يفرض علينا إعادة التفكير في علاقتنا بالتكنولوجيا، وكيف نتعامل معها، وإلى أي مدى نسمح لها بالتغلغل في حياتنا.

من الناحية الإيجابية، لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي قد أحدث نقلة نوعية في كل المجالات تقريبًا ، فقد ساعد على تطوير الأنظمة الطبية بشكل لافت، من خلال قدرته على تحليل صور الأشعة بدقة متناهية، والتنبؤ بالأمراض قبل ظهور أعراضها، وتقديم مسارات علاجية أكثر فعّالية. ولولا التقنيات الحديثة، لكان الكثير من المرضى حول العالم في مواجهة مصائر أكثر صعوبة.
كما ساعد الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم على تحسين طرق التدريس، وتوفير محتوى تعليمي يناسب قدرات الطالب الفردية، مما أعطى كل متعلم فرصة أكبر للنجاح والتطور.
وفي عالم الأعمال، أصبح الذكاء الاصطناعي محركًا رئيسيًا للإنتاجية، حيث تُستخدم الخوارزميات في التوقع والتخطيط وتحليل البيانات بشكل يختصر الوقت والجهد ويزيد من دقة القرارات.

حتى على المستوى الاجتماعي، بات تأثير الذكاء الاصطناعي ظاهرًا في تطبيقات التواصل، التي أصبحت أكثر قدرة على رصد تفضيلات المستخدمين، واقتراح محتوى يناسب اهتماماتهم، وتسهيل عملية التواصل بين الناس.
وعلى المستوى الشخصي، أصبح الذكاء الاصطناعي مساعدًا خفيًا يرافقنا في كل لحظة: من تحديد الطريق الأقل ازدحامًا، إلى تنظيم المهام اليومية، وحتى متابعة صحتنا ونومنا وطريقة تناول الطعام ، كل هذه الاستخدامات جعلت حياتنا أسهل، أسرع، وأكثر مرونة.

ورغم هذه المميزات التي لا يمكن تجاهلها، فإن الجانب الآخر من الصورة يحمل الكثير من التساؤلات والمخاوف ، فأبرز ما يقلقني هو التعمّق الزائد للتكنولوجيا في حياتنا بطريقة قد تهدد استقلالية الإنسان وقدرته على التفكير الحر.
لقد لاحظت — وربما لاحظ الكثيرون — كيف أصبح البعض غير قادر على اتخاذ قرار واحد دون الرجوع إلى الهاتف أو الحاسب أو التطبيق ، هذا الاعتماد المفرط قد يسلب الإنسان مهارته الأساسية في التحليل، ويضعف قوته العقلية مع مرور الوقت، وكأن التكنولوجيا تسحب منّا شيئًا فشيئًا جوهرنا الحقيقي وقدرتنا على إدارة حياتنا بأنفسنا.

أما الخطر الثاني فهو اختراق الخصوصية. فالذكاء الاصطناعي يعمل عبر جمع كميات هائلة من البيانات عن المستخدمين: ما يفضلونه، أين يذهبون، ماذا يشترون، وحتى نوع العلاقات التي يعيشونها ، وهنا يصبح الأمر شديد الحساسية، فهذه البيانات قد تستخدم في غير موضعها، أو قد تقع في يد من يستغلها لأغراض غير أخلاقية.
وببساطة شديدة، فإن أي خطأ في إدارة هذه البيانات يمكن أن يفتح أبوابًا واسعة من المشاكل، من الابتزاز إلى التلاعب، أو حتى التحكم غير المباشر في سلوك الناس.

ثم يأتي الجانب الأكثر خطورة، وهو سوء الاستخدام المتعمد ، فاليوم أصبح بإمكان أي شخص يمتلك معرفة بسيطة أن يصنع صورًا ومقاطع فيديو مزيفة باستخدام تقنيات “الديب فيك”، مما يجعله قادرًا على تشويه سمعة الآخرين أو نشر الأكاذيب بطريقة يصعب كشفها ،  كما يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لاختراق الحسابات، أو التضليل السياسي، أو خلق محتوى غير أخلاقي يستهدف فئات معينة.
وباختصار، فإن التكنولوجيا التي كانت يومًا وسيلة لتحسين حياة البشر قد تتحول — في يد من يجهلها أو يسيء توظيفها — إلى أداة للتدمير والإيذاء.

وهنا أعود إلى نقطة أساسية أؤمن بها: المشكلة ليست في الذكاء الاصطناعي ذاته، بل في الإنسان ، فالتكنولوجيا مجرد أداة، والإنسان هو من يقرر استخدامها في الخير أو الشر ، إن انعدام الوعي، وغياب القوانين الرادعة، والاستسلام للإغراءات الرقمية، هي ما يجعل الذكاء الاصطناعي خطرًا أكثر من كونه فرصة.
وما يقلقني أكثر هو أننا نعيش في زمن سريع جدًا، تتغير فيه التكنولوجيا بشكل يومي، بينما لا تزال التشريعات والقوانين تسير ببطء شديد ، وهذا الخلل قد يسمح بظهور فجوات كبيرة يستغلها البعض لإلحاق الضرر بالآخرين دون رادع.

في المقابل، يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تكون نعمة إذا أحسنّا استخدامها. فهي تخلق فرصًا اقتصادية هائلة، وتساعد على حل مشكلات معقدة مثل التغير المناخي ونقص الغذاء، وتدعم البحث العلمي، وتفتح أمام الشباب أبوابًا جديدة للعمل والإبداع.
وعلى المستوى الفردي، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الشخص على تطوير ذاته، وتحقيق طموحاته، وصناعة مستقبل أكثر إشراقًا. ولكن هذا يتطلب وعيًا، وقراءة متأنية للحدود، وإدراكًا واضحًا للخط الفاصل بين الاستفادة… والانجراف.

ومن وجهة نظري، فإن التعامل السليم مع الذكاء الاصطناعي يبدأ من ثلاثة أمور أساسية:
أولًا، التعليم والوعي. فكل فرد بحاجة إلى فهم كيفية عمل الذكاء الاصطناعي، وما يجمعه من بيانات، وكيف يمكن استخدامه بطريقة آمنة.
ثانيًا، وضع قوانين صارمة تحمي خصوصية الأفراد وتمنع إساءة استخدام المعلومات.
وثالثًا، تعزيز الأخلاق الرقمية لدى المستخدمين والمطورين على حد سواء، حتى تظل التكنولوجيا في خدمة الإنسان، لا العكس.

في النهاية، أرى أن الذكاء الاصطناعي هو مرآة تعكس طريقة تعاملنا معه ، فإذا كنا واعين، أصبح وسيلة للنهضة ،  وإذا استسلمنا له دون تفكير، أصبح خطرًا يهدد توازن حياتنا. وبين وعود المستقبل ومخاطر الانجراف، سيبقى الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذا حدين… ونحن وحدنا من يحدد أي حدّ نحمله

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق