ُيعد الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف (1923–2000) أحد أبرز الشخصيات الكنسية التي تركت بصمة راسخة في مجالات التنمية الاجتماعية، التعليم الكنسي، والحوار المسكوني. فقد نجح خلال خدمته الممتدة لأكثر من أربعة عقود في تحويل إيبارشية بني سويف إلى نموذج للعمل الرعوي والتنموي على مستوى الكنيسة القبطية.
ميلاد ونشأة في أسرة كهنوتية عريقة
وُلد الأنبا أثناسيوس باسم عبد المسيح بشارة في 2 مايو 1923 لأسرة تُعرف بـ”عائلة القسيس”، التي تمتد جذورها الكهنوتية إلى القرن التاسع عشر. ويُعد الراحل البابا مكاريوس الثالث عمه، كما ضمت الأسرة كهنة وخدامًا بارزين عبر الأجيال.
حصل على ليسانس الآداب – لغة إنجليزية عام 1944، ثم بكالوريوس التربية وعلم النفس من الجامعة الأمريكية عام 1952، وتخرج من الكلية الإكليريكية عام 1953. عمل مُدرسًا للغة الإنجليزية وللعهد الجديد قبل التحاقه بالرهبنة.
من الراهب مكاريوس السرياني إلى أسقف بني سويف
انطلقت رحلته الرهبانية بدير السريان، حيث سيم راهبًا باسم مكاريوس السرياني في 7 سبتمبر 1958 على يد الأنبا ثاؤفيلس.
وبعد رحيل أسقف بني سويف في يوليو 1962، عيّنه البابا كيرلس السادس نائبًا بابويًا، ثم سيم أسقفًا لبني سويف والبهنسا في 9 سبتمبر 1962.
وفي عام 1978، رقّاه البابا شنودة الثالث إلى رتبة مطران، وكرّس معه أسقفين معاونين هما:
الأنبا متاؤس (رئيس دير السريان الحالي)
الأنبا موسى (أسقف الشباب حاليًا)
ريادة في الخدمة الاجتماعية والتنمية الشاملة
تحولت إيبارشية بني سويف في عهده إلى مركز متقدم في مجالات الخدمة والتنمية. ومن أبرز إنجازاته:
انشاء النوادي الشبابية والكشفية بجميع الكنائس
تأسيس مكتبات كنسية واسعة
انشاء وتطوير مدارس كنسية ولغات وترميم مدارس متضررة من زلزال 1992
تأسيس 31 حضانة لرعاية الأطفال
إقامة بيوت للطلبة تستوعب نحو 600 شاب وفتاة
تاسيس 23 مستوصفًا للخدمات الصحية
إنشاء دور لرعاية المسنين
افتتاح أول مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة
انشاء مراكز للخلوة والتدريب الروحي في دير بياض وسدمنت والسنقورية
تاسيس معهد تدريب الخادمات و34 مركزًا لتنمية الفتيات
تطوير مشاريع التنمية الزراعية والصناعية وصناعة الأثاث
ريادة في مجال الطاقة الشمسية وصناعة الطوب منذ الستينيات
وقد وضع عام 1963 دليلًا إداريًا بعنوان نظام إدارة الإيبارشيات، أصبح مرجعًا مهمًا لإدارة الكنائس والإيبارشيات.
تأسيس دير بنات مريم.. رؤية رهبانية متجددة
أسس دير بنات مريم عام 1965، ووضع له قانونًا قائمًا على سبع ركائز:
الفقر – الطاعة – العمل – الخدمة – الشركة – الهدوء – الصمت والتأمل.
وتفرعت عن الدير فروع عديدة في القاهرة والجيزة ومناطق مختلفة، إضافة إلى دار تقدم لذوي الإعاقة الذهنية.
خدمة التعليم والكتاب المقدس
كان التعليم الكنسي محورًا أساسيًا في خدمة المطران، ومن أبرز جهوده:
تاسيس دار النشر والتوزيع بمطرانية بني سويف
اصدار كتب التربية الكنسية والطقوس القبطية
الاهتمام بعظات بسيطة ممزوجة بالعقيدة والكتاب المقدس
قيادة اجتماع درس الكتاب لأكثر من 38 عامًا
رسامة كاهن متخصص لخدمة الشباب
اصدار كتب مبسطة للشباب وتفاسير إنجيلية
انشاء قاعات كبرى للنشاط الفني والثقافي
دعم سفر الشباب للخارج للتدريب والمنح الدراسية
رائد العمل المسكوني
شارك الأنبا أثناسيوس في العمل المسكوني عالميًا منذ 1957، وكان عضوًا بارزًا في:
اللجنة المركزية والتنفيذية بمجلس الكنائس العالمي
وفود الكنيسة لزيارات رسمية عديدة، منها زيارة البابا شنودة الثالث للفاتيكان عام 1973
لجان الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية
مؤتمرات دولية حول فلسطين وغيرها
ونال عدة أوسمة دولية، منها وسام من الإمبراطور هيلاسلاسي.
كما كان ضمن مستقبلّي بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني خلال زيارته إلى مصر في عام 2000.
جهوده في دعم الوحدة الوطنية
كان الأنبا أثناسيوس رمزًا للمحبة والانفتاح، ومن أهم مبادراته:
اقامة أول موائد إفطار رمضانية في الإيبارشيات
مشاركة المسلمين والمسيحيين في العزاء والمناسبات
تنظيم ندوات عامة لمناقشة قضايا الوطن
المشاركة في لجان المواطنة خلال السبعينيات
وكان يقول عن مصر: “طفت معظم دول العالم، ولم أجد أحلى ولا أجمل من مصر.”
رحيل ووداع الكنيسة له
في عام 2000 اشتد عليه المرض، وأجرى فحوصات في لندن قبل عودته إلى مصر حيث تنيح يوم 16 نوفمبر 2000.
عاد البابا شنودة الثالث من باريس فور علمه بنياحته، وترأس صلاة الجنازة يوم 18 نوفمبر بحضور 45 مطرانًا وأسقفًا وجميع رؤساء الطوائف والقيادات السياسية والشعبية في بني سويف.








0 تعليق