تتصاعد المخاوف في مالي من احتمال تمدد الجماعات المتطرفة التابعة لتنظيم القاعدة نحو العاصمة باماكو، بعد سلسلة من الهجمات المتكررة في مناطق الوسط والجنوب التي كانت تُعتبر حتى وقت قريب بعيدة عن نفوذ المتشددين.
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم في الأوساط الأمنية والسياسية: هل بات سقوط باماكو في مرمى القاعدة مجرد مسألة وقت؟
منذ سيطرة المسلحين عام 2012 على شمال مالي، ظلت باماكو، الواقعة في الجنوب الغربي، بعيدة نسبيًا عن مرمى النيران، بفضل تمركز القوات الحكومية والدولية فيها.
لكن المعادلة تغيرت خلال العامين الأخيرين مع انسحاب القوات الفرنسية وقوات مينوسما التابعة للأمم المتحدة، ما خلق فراغًا أمنيًا استغلته الجماعات المرتبطة بـ"نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة للقاعدة للتوغل تدريجيًا نحو الجنوب.
إنهاك الجيش وإرباك الحكومة
تشير التقارير الميدانية إلى أن الجماعة نفذت هجمات في مناطق لم تكن تشهد نشاطًا إرهابيًا من قبل، مثل سيغو وكايس، وهي مناطق تبعد مئات الكيلومترات فقط عن باماكو. ويقول محللون إن هذه الهجمات ليست عشوائية، بل تمثل خطة زحف بطيئة تهدف إلى إنهاك الجيش وإرباك الحكومة قبل الاقتراب من العاصمة.
وتُظهر تحركات القاعدة في الآونة الأخيرة اعتمادها على استراتيجية الاختراق الدائري، أي ضرب أطراف الدولة من كل الاتجاهات حتى تُشل قدرتها على الدفاع عن المركز.
ومع كل هجوم جديد، يتراجع شعور السكان بالأمان ويزداد الضغط على الحكومة العسكرية التي تواجه أصلاً أزمات اقتصادية خانقة.
من جانب آخر، يعاني الجيش المالي من ضعف التدريب ونقص المعدات، رغم الدعم الروسي المتزايد. فوجود عناصر مجموعة فاجنر ساهم في تنفيذ عمليات محدودة ضد الإرهابيين في الشمال، لكنه لم ينجح في تأمين القرى والمناطق الريفية التي تُعد الخزان البشري للجماعات المتطرفة.
بل إن تقارير حقوقية تحدثت عن تجاوزات ارتكبتها هذه القوات، ما زاد من مشاعر الغضب الشعبي، وهي الثغرة التي تستغلها القاعدة لتقديم نفسها كـ"مدافع عن الأهالي" .
تنامي الخلايا النائمة في باماكو
الأخطر من ذلك أن العاصمة باماكو نفسها تشهد تناميًا لخلايا نائمة وأفراد متعاطفين مع الفكر المتطرف، خصوصًا في ضواحيها الفقيرة مثل بانكوني ونارا، حيث تفتقر الدولة للخدمات والرقابة. وتشير بعض التقديرات إلى أن التنظيم يركز الآن على الاختراق الاجتماعي أكثر من العسكري، في محاولة لكسب الحاضنة المحلية قبل أي مواجهة مفتوحة.
على الصعيد السياسي، تواجه الحكومة الانتقالية عزلة دولية متزايدة بعد انسحابها من مجموعة دول الساحل وانقطاع التعاون مع الغرب، وهو ما قلص قدرتها على الحصول على الدعم الاستخباراتي والتقني الضروري لمكافحة الإرهاب.
وفي الوقت نفسه، لا تزال الشراكة مع روسيا محدودة التأثير، إذ يركز الروس على حماية النظام أكثر من محاربة الإرهاب في عمق البلاد.
ويرى محللون أن سيناريو سقوط باماكو ليس وشيكًا عسكريًا، لكنه احتمال قائم سياسيًا وأمنيًا إذا استمر التدهور الحالي. فتنظيم القاعدة لا يحتاج إلى احتلال العاصمة كي يعلن انتصاره، بل يكفيه أن يُظهر عجز الحكومة عن حمايتها أو أن ينفذ هجومًا نوعيًا داخلها لإيصال رسالة رمزية بأن الدولة في خطر.
وفي ختام المشهد، تقف مالي اليوم على حافة المجهول، حكومة متوترة، جيش مرهق، وشعب يعيش بين الخوف والشك.













0 تعليق