«آيس كريم الصعايدة».. الجلاب التراثي يحافظ على بريقه الذهبي في قنا - الفجر سبورت

الأسبوع 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
«آيس كريم الصعايدة».. الجلاب التراثي يحافظ على بريقه الذهبي في قنا

آيس كريم الصعايدة

عمر طنطاوي

في أعماق الجنوب، حيث تتعانق الأصالة مع عبق التراث، يطلّ "الجلاب" الصعيدي، أو ما يُعرف شعبيًا بـ"آيس كريم الصعايدة"، كحكاية حلوة تروى على ألسنة الناس، وتعبق بها أجواء مهرجان قنا للفنون والحرف التراثية، الممتد من الرابع إلى الثامن من نوفمبر 2025، في مشهد يجسد رؤية الدولة المصرية في صون الهوية الوطنية، وتوريث ذاكرة الفنون الشعبية للأجيال القادمة.

في أروقة المهرجان، وبين العروض التراثية التي تزين بها المعارض والورش التراثية، وأيضا تنشر في شوارع القرى والمدن، يسطع الجلاب ببريقه الذهبي، محافظًا على سحره القديم الذي يستمده من قصب السكر والعسل الأسود.قطعة صغيرة من حلوى يدوية الصنع، تختصر تاريخًا طويلًا من البساطة والمهارة، وتحمل في طياتها عبق القرية وروح الصعيد.

قرية القناوية بشرق النيل، التابعة لمركز نجع حمادي، هي موطن هذه الصناعة العريقة. هناك، تبدأ رحلة الجلاب مع موسم حصاد القصب في أكتوبر، لتتحول قطرات العسل الأسود إلى تحفة من المذاق والحنين. في الورش البسيطة، يتوزع ما بين ثلاثة إلى عشرة عمال على مراحل الإنتاج كافة: من غلي العسل في أوانٍ نحاسية، إلى صبه في قوالب مخروطية تشبه "الآيس كريم"، ثم تجفيفه في حضن الشمس، قبل أن ينتقل إلى الأسواق والمقاهي ومواقف السيارات، مصحوبًا بنداءات الباعة التي تملأ الأجواء: "الجلاب الآيس كريم.. بخمسة جنيه يا جلاب!"

يقول خالد عبد العظيم القرعاني، أحد معاصري صناعة الجلاب المخضرمين، إن هذه الحرفة توارثها الأبناء عن الآباء، وإن سرّها في نقاء مكوناتها الطبيعية وخلوها من المواد الحافظة، ما يجعلها حلوى صحية تصلح للصغار والكبار على حد سواء. ويضيف أن الجلاب ليس مجرد حلوى، بل مصدر رزق موسمي لعشرات الأسر، يواجهون به تقلبات الأسعار وتحديات الإنتاج، دون أن يتخلوا عن شرف الصنعة وإرثها المتجذر.

ويرى العم أحمد أحد أبناء قرية القناوية شرق النيل بمركز نجع حمادي شمال محافظة قنا أن سرّ تفرّد الجلاب يكمن في اللمسة اليدوية التي لا تُعوضها الآلات، فكل قطعة منه تحكي قصة حب بين الإنسان والأرض، بين العسل والنار، بين الماضي والحاضر. ومع تطور الأذواق، بات الجلاب يُقدَّم اليوم بأشكال عصرية دون أن يفقد روحه التراثية الأصيلة.

وهكذا، يبقى الجلاب أو "آيس كريم الغلابة" كما يحب أهل الصعيد أن يطلقوا عليه أكثر من مجرد حلوى، إنه ذاكرة سكرية تحفظ نكهة الزمن الجميل، وجسر ذهبي يربط الأجيال في لحظة دفء واعتزاز، تؤكد أن التراث ما زال حيًا في قلوب الصعايدة، كما هو في مذاق الجلاب.. .حلو، نقي، وأبدي.

96d223c629.jpg
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق