كانت تشعر أن الروح قد أنهكتها الرحلة، وأن شيئًا في داخلها لم يعد كما كان. لم تكن المسألة مجرد ألمٍ من قصةٍ انتهت، بل من كل ما انكسر داخلها وهي تحاول أن تُبقي الصورة مشرقة رغم العتمة.
تتأمل وجهها في المرآة كل صباح، تتلمس الملامح التي كانت يومًا مفعمة بالدهشة، وتدرك أن شيئًا من النقاء قد غادرها بصمت، وأن عينيها اللتين كانتا تلمعان بالأمل، تحملان الآن ظلًّا من التعب والحذر.
لكنها أيضًا، وسط هذا الحزن الهادئ، بدأت تلمح شيئًا جديدًا، نضجًا لم تعرفه من قبل فكل انكسار، كما تقول «بيما تشودرون» في كتابها «When Things Fall Apart»: عندما ينهار كل شيء، يكون ذلك في الحقيقة بداية جديدة، لأنك تُجبَر على رؤية ما كان خفيًّا عنك طوال الوقت.
لم تعد ترى الألم كعدو، بل كمعلمٍ قاسٍ، عرّاها من كل الزيف، وتركها أمام ذاتها بلا أقنعة. لقد أرغمها النرجسي على مواجهة أكثر مخاوفها عمقًا: الخوف من الهجر، من الوحدة، من ألا تكون كافية. لكنه في الوقت نفسه، كان مرآتها القاسية التي كشفت ما لم تكن تجرؤ على رؤيته في نفسها.
كل جرحٍ تركه كان بمثابة بابٍ مفتوح على وعيٍ جديد، على سؤالٍ مختلف: «من أنا حقًا، بعيدًا عن الآخر؟»، صارت ترى الأمور ببطءٍ أكثر، وتفكر بعمقٍ أكبر. لم تعد تبحث عن الحب بوصفه ملاذًا، بل عن ذاتها بوصفها وطنًا.
النجاة الحقيقية لم تكن في الهروب من الجرح، بل في احتضانه، في فهمه، في تحويله إلى ضوءٍ يرشدها نحو ذاتها الحقيقية، وكما كتب «إيكهارت تول» في «The Power of Now»: اللحظة التي تتقبل فيها ألمك بالكامل، هي اللحظة التي يتحول فيها الألم إلى وعي، والجرح إلى نافذةٍ للنور.
كانت تدرك الآن أن كل ما عاشته لم يكن صدفة، بل مرحلة انتقالٍ نحو وعيٍ أعمق، لقد اختبرت الوجه القاسي للحب، لكنها أيضًا لمست حدود طاقتها، واكتشفت أن التعلق ليس حبًا، وأن الغفران لا يعني العودة، وأن القوة ليست في الصمود فقط، بل في القدرة على الرحيل بسلام.
حين جلست أخيرًا أمام المرآة، لم ترَ امرأة مكسورة كما كانت تخاف، بل امرأة تغيّرت ملامحها بصدق التجربة، وتطهر الألم. ابتسمت في صمتٍ عميق، وهي تدرك أن ما كانت تبحث عنه في الخارج كان يسكنها منذ البداية.
ذلك النور الصغير الذي لم يُطفأ رغم كل ما مرّ عليها، النور الذي يربطها بالحياة، بالإيمان، بالله، بالقدرة على البدء من جديد، وكما كتبت «كلاريسا بينكولا إستيس» في كتابها «Women Who Run with the Wolves»: المرأة التي تنجو من الألم لا تعود كما كانت، بل تصبح أكثر قربًا من جوهرها، أكثر صدقًا في نظرتها إلى الحياة، وأشد وعيًا بقوة أنوثتها الحرة.
كانت تلك لحظة ولادتها الثانية، لا بالصراخ كما يحدث عند الميلاد الأول، بل بالسكينة التي تعقب العاصفة، فقد عرفت أن الخلاص لا يأتي من الخارج، وأن المرآة التي كانت تبحث فيها عن حبٍ مفقود، كانت في الحقيقة تعكس روحها وهي تتعافى، خطوةً بخطوة، نحو ضوءٍ يشبهها.














0 تعليق