كشفت وزارة الأوقاف عن موضوع خطبة الجمعة المقبلة 7 نوفمبر 2025، الموافق 16 جمادى الأولى 1447هـ، وهي بعنوان «إدمان الأطفال وسائل التواصل الاجتماعي».
وأشارت«الأوقاف»إلى أن الهدف من موضوع خطبة الجمعة المقبلة، هو التحذير من خطورة إدمان وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا على الأطفال، وسبل مواجهة ذلك.
نص موضوع خطبة الجمعة المقبلة
الحمدُ للهِ حمدًا يوافي نعمَهُ، ويكافئ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانُ الأكملانِ على سيدِنا محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أمّا بعدُ،
رعايةُ الإسلامِ للطفلِ، وعنايتُهُ بهِ:
أولى الإسلامُ بالأطفالِ عنايةً فائقةً، واهتمَّ بهم اهتمامًا خاصًّا، لما يؤدّونهُ من دورٍ حيويٍّ في بقاءِ النسلِ البشريِّ، واستمرارِ الحياةِ على هذهِ البسيطةِ، فهم بمثابةِ اللبنةِ الأولى في إعدادِ المجتمعِ القويمِ، وهم الذينَ يُشكّلونَ حجرَ الأساسِ في البناءِ المجتمعيِّ، بل تمتدُّ آثارُهم حتى بعدَ الموتِ، فعن أبي هريرةَ أنَّ رسولَ اللهِ قالَ: «إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عنهُ عملُهُ إلّا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفعُ بهِ، أو ولدٍ صالحٍ يدعو لهُ» (رواه مسلم).
ولذا يكونُ صلاحُ الأبناءِ شفاعةً للآباءِ، وقرةً لأعينِهم كما قالَ ربُّنا: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
بل رفقاءُ لهم في الجنةِ «وإنْ لمْ يبلغوا عملَهم، لتقرَّ أعينُ الآباءِ بالأبناءِ عندهم في منازلِهم، فيجمعُ بينهم على أحسنِ الوجوهِ بأنْ يرفعَ الناقصَ العملِ بكاملِ العملِ، ولا ينقصَ ذلكَ من عملهِ ومنزلتِهِ للتساوي بينَهُ وبينَ ذاكَ»، قالَ ربُّنا: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21].
وقد أعطى الإسلامُ للنشءِ حقوقًا لا حصرَ لها بدءًا من حقِّه في الحياةِ، فلا يملكُ أحدٌ إزهاقَ روحِهِ أو سلبَ حياتِهِ، قالَ تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31].
ثم أوجبَ على الوالدِ الإنفاقَ عليهم ورعايتَهم والاهتمامَ بهم: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
كما أوجبَ على الوالدينِ العدلَ بينَ النشءِ والمساواةَ بينهم، وعدمَ تمييزِ أحدِهم على الآخرِ، وأنْ نلاطفَهم ونتودّدَ إليهم، وقد كانَ ذلكَ سِمَةَ نبينا ﷺ، فقد كانَ يُطيلُ السجودَ عندما يأتيهِ الحسنُ أو الحسينُ رضي اللهُ عنهما فيحملُهما على ظهرِهِ حتى «قالَ الناسُ: يا رسولَ اللهِ إنَّكَ سجدتَ بينَ ظهرانيِ صلاتِكَ سجدةً أطلتَها حتى ظننا أنَّهُ قد حدثَ أمرٌ أو أنَّهُ يُوحى إليكَ، فقالَ: كلُّ ذلكَ لمْ يكنْ، ولكنَّ ابني ارتحلني فكرهتُ أنْ أعجِّلَهُ حتى يقضيَ حاجتَهُ» (رواه النسائي).
كما حرَّمَ الإسلامُ العنفَ تجاهَ النشءِ ماديًّا كانَ أو معنويًّا، وجرَّمَ فاعلَهُ، ووضعَ القرآنُ الكريمُ حزمةً متكاملةً من الوصايا والنصائحِ التربويةِ كي نسلكَها مع النشءِ الصغيرِ حتى يُؤهَّلَ مستقبلًا لإعمارِ هذا الكونِ وما فيهِ.
وها هو لقمانُ الحكيمُ يعظُ ابنَهُ، ويضعُ أمامَهُ إرشاداتٍ مضيئةً تنيرُ الطريقَ أمامَهُ، وتحميه مما سيواجهُهُ في هذه الحياةِ المتقلّبةِ، حيثُ اشتملت على ما يهديه إلى العقيدةِ السليمةِ، ونحوَ الأخلاقِ الكريمةِ، وأداءِ العباداتِ التي كُلِّفنا بها، فيقولُ ربُّنا حكايةً عنهُ: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 16-19].
الآثارُ السلبيةُ لإدمانِ السوشيال ميديا:
الأصلُ في الأشياءِ الإباحةُ ما لمْ يردْ دليلٌ على تحريمِها، ولا شكَّ أنَّ السوشيال ميديا المعاصرةَ ينسحبُ عليها هذا الأصلُ، استصحابًا للبراءةِ الأصليةِ، لكنْ إذا وصلتْ إلى حدِّ الإدمانِ بحيثُ يقضي الطفلُ ساعاتٍ طويلةً خلفَ متابعةِ ما يتعلقُ بها، وقدْ ينامُ وهاتفُهُ بينَ يديه، ويستيقظُ وهو بينَ يديه، مما يخلُّ معه أداءَ الواجباتِ المنوطةِ بهِ، بل يفقدُ توازنَهُ، فلا خلافَ في حرمةِ استعمالِها، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرو بنِ العاصِ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «… فإنَّ لجسدِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لعينيكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لزوجِكَ عليكَ حقًّا» (رواهُ البخاريُّ).
كما أنَّهُ يلزمُ النظرُ في عواقبِ السوشيال ميديا ومقصدِها، لأنَّ الحكمَ ينبني على القصدِ، إذْ الأمورُ بمقاصدِها، والحكمُ يدورُ مع علتِه وجودًا وعدَمًا (الأشباهُ والنظائرُ لتاجِ الدينِ السبكي، ج2 ص188، والأشباهُ والنظائرُ على مذهبِ أبي حنيفةَ النعمانِ لابنِ نجيمَ المصريِّ، ص23).
يقولُ ابنُ القيمِ: «ولما كانتِ المقاصدُ لا يُتوصَّلُ إليها إلّا بأسبابٍ وطرقٍ تفضي إليها، كانت طرقُها وأسبابُها تابعةً لها معتبرةً بها، فوسائلُ المحرماتِ والمعاصي في كراهتِها والمنعِ منها بحسبِ إفضائِها إلى غاياتِها وارتباطاتِها بها، ووسائلُ الطاعاتِ والقرباتِ في محبتِها والإذنِ فيها بحسبِ إفضائِها إلى غايتِها، فوسيلةُ المقصودِ تابعةٌ للمقصودِ، وكلاهما مقصودٌ، لكنه مقصودٌ قصدَ الغاياتِ، وهي مقصودةٌ قصدَ الوسائلِ» (إعلامُ الموقعينَ عن ربِّ العالمينَ، ج3 ص108).
وعملًا بقاعدةِ الحكمِ على الشيءِ فرعٌ عن تصوّرِه، نودُّ أنْ نشيرَ إلى بعضِ الآثارِ السلبيةِ لإدمانِ السوشيال ميديا:
أولًا: فقدانُ شعورِ الأطفالِ بالأمانِ والدفءِ الأسريِّ، وافتقارُ المهاراتِ الاجتماعيةِ:
إدمانُ الأطفالِ تصفّحَ السوشيال ميديا لفترةٍ طويلةٍ يتسببُ في افتقارِهم للمهاراتِ الاجتماعيةِ التي يكتسبونَها من خلالِ تفاعلِهم معَ الآخرينَ، مما يفقدونَ معه القدرةَ على التواصلِ الحقيقيِّ مع غيرِهم من الأفرادِ المحيطينَ بهم، وبالتالي عندما يُوضَعونَ في تواصلٍ حقيقيٍّ مع غيرِهم يصبحونَ شخصيّةً منطويةً انعزاليةً مكتئبةً، بسببِ جهلِهم كيفيةَ التواصلِ مع الناسِ.
أضفْ إلى ذلكَ أنَّ الإغراقَ في التسليةِ يتقلّصُ معه التواصلُ الأسريُّ، والحدُّ من الألفةِ والعاطفةِ لدى الأطفالِ، مما يُحدثُ معه حالةً من التفسخِ الأسريِّ، وضعفَ التماسكِ بين أفرادِ العائلةِ الواحدةِ، وزيادةَ الفجوةِ بين الأجيالِ نتيجةَ اختلافِ نمطِ الاستخدامِ والتفضيلاتِ.
ثانيًا: تعرّضُ الأطفالِ إلى عملياتِ التنمّرِ الإلكترونيِّ:
نتيجةً للمحتوى السيّئِ الذي اعتادَ الأطفالُ على مشاهدتِه أو سماعِه يتولّدُ لديهم الميلُ إلى العدوانيّةِ، واستخدامُ العنفِ والقوّةِ، سواءٌ بغرضِ التقليدِ أو التعبيرِ عن مشاعرَ مختزلةٍ داخليًّا نتيجةَ ما طُبِعَ عليهِ، لذلكَ يجبُ تشجيعُ الأطفالِ على عدمِ الصمتِ عندَ التعرّضِ لأيِّ ضغطٍ أو أذًى يلحقُ بهم عندَ استخدامِهم لهذه التقنياتِ.
كما يؤدّي إدمانُ الأطفالِ إلى العديدِ من المخاطرِ نتيجةَ مشاركةِ الكثيرِ من المعلوماتِ، مما قدْ يعرّضُ خصوصيّتَهم للخطرِ، فعندَ استخدامِ هذه الوسائلِ يمكنُهم تركُ أدلّةٍ وراءَ المواقعِ التي زاروها، يُطلَقُ على هذا السجلِّ الجماعيِّ المستمرِّ لنشاطِ الفردِ الإلكترونيِّ البصمةُ الرقميةُ (أثرُ استخدامِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ على تنشئةِ الطفلِ في المجتمعِ العُمانيِّ، إعدادُ أعضاءِ الفريقِ البحثيِّ بجمعيةِ الاجتماعيينَ العُمانيةِ، ص69- 71).
ثالثًا: المشاكلُ الصحيّةُ:
شعورُ الأطفالِ بالقلقِ والاضطرابِ، وقلّةُ النومِ ممّا يؤثّرُ على تحصيلِهم الدراسيِّ، وضياعُ مستقبلِهم، لأنَّ إدمانَ السوشيال ميديا يؤثّرُ على ذاكرةِ الطفلِ، ويُصيبهُ بحالةٍ من تشتّتِ الانتباهِ، وفرطِ الحركةِ، والنسيانِ لكلِّ ما يتعلّمهُ بسهولةٍ، ويصعبُ عليهم التحلّي بالهدوءِ.
كما يُصبحُ الأطفالُ عندَهم حالةٌ من الكسلِ غيرُ قابلينَ للحركةِ ممّا يؤثّرُ بشكلٍ مباشرٍ على صحتِهم ولياقتِهم حيثُ يُصابونَ بزيادةِ الوزنِ والبدانةِ، بلْ قدْ يتسبّبُ الجلوسُ الدائمُ في تلفِ خلايا المخِّ، وتحدثُ توتّراتٌ عصبيّةٌ بالإفرازِ المفرطِ والمتزايدِ لهرمونِ الكورتيزول “هرمونِ الإجهادِ والتعبِ”، وهرمونِ الأدرينالين، والنورأدرينالين، فيُولّدُ ذلكَ سرعةَ الغضبِ حتى إنَّ بعضَ العلماءِ أطلقَ عليهِ اسمَ “الهوسِ النفسيِّ”، كما قدْ يُؤدّي إلى ما يُسمّى “الإصابةَ بالتعبِ المتكرّرِ”، إذِ الأطفالُ الذينَ يستخدمونَ لوحةَ المفاتيحِ الملحقةَ بالجهازِ يقومونَ بالضربِ عليها بمعدّلٍ قدْ يصلُ إلى [31200] ضربةٍ في الساعةِ، ويُعدّونَ حوالي 13% من إجماليِّ نسبةِ المصابينَ بالتعبِ المتكرّرِ. (الإدمانُ على الإنترنتِ: اضطرابُ العصرِ، حمودةُ سليمةُ، ص221).
علاوةً على ضعفِ الجهازِ المناعيِّ، والإرهاقِ البصريِّ، وآلامِ الظهرِ والرقبةِ، وإعاقةِ عملياتِ نضجِ الدماغِ، وقدْ تُسهمُ في ضعفِ الذكاءِ اللفظيِّ لدى هؤلاءِ الأطفالِ، والإصابةِ بالصداعِ المستمرِّ، وركودِ الدورةِ الدمويةِ ممّا يُسبّبُ حدوثَ جلطاتٍ دماغيّةٍ وقلبيّةٍ، وضعفًا في أداءِ الأجهزةِ الحيويّةِ بالجسمِ. (أثرُ استخدامِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ على تنشئةِ الطفلِ في المجتمعِ العُمانيِّ، ص73-74).
رابعًا: انعدامُ الثقةِ بالنفسِ، وتدنّي احترامِ الذاتِ:
عندما يُدمنُ الأطفالُ استعمالَ السوشيال ميديا غالبًا ما يُقارنونَ حياتَهم الشخصيةَ بالآخرينَ، ممّا يتسبّبُ في فقدانِهم لثقتِهم بأنفسِهم، والشعورِ بالمزيدِ من البؤسِ وعدمِ الرضا والقناعةِ بما هم عليهِ، ممّا يؤثّرُ بشكلٍ مباشرٍ على موقفِهم تجاهَ حياتِهم، وقدْ يضطرّونَ للسخطِ على وضعِهم الماديِّ أو التعليميِّ أو الوظيفيِّ… إلخ.
خامسًا: المشاكلُ الاقتصاديةُ والأخلاقيةُ:
إضاعةُ المالِ ممّا يؤثّرُ على ميزانيةِ الأسرةِ، ويُحدثُ خللًا في بعضِ الأوقاتِ قدْ يصلُ إلى درجةِ الإفلاسِ في بعضِ الأحيانِ إنْ كانَ الإدمانُ على مواقعِ التسوّقِ والمقامرةِ والألعابِ. (الإدمانُ الإلكترونيُّ لشريحةِ المراهقينَ، ص8، إصداراتُ وزارةِ الأوقافِ والشؤونِ الإسلاميةِ، دولةُ الكويتِ).
كما أنَّ إدمانَ السوشيال ميديا يُعرّضُ الأطفالَ لمحتوياتٍ غيرِ أخلاقيةٍ أو منافيةٍ للتعاليمِ الدينيةِ، وغالبًا ما يلجأونَ إلى التقليدِ الأعمى لكثيرٍ من السلوكياتِ غيرِ اللائقةِ دينيًّا ومجتمعيًّا، ويُنمّي أيضًا في الأطفالِ التهرّبَ من أداءِ الواجباتِ والطاعاتِ نتيجةَ الانشغالِ المستمرِّ.
سادسًا: ضياعُ الهويةِ الثقافيةِ والعربيةِ، واستبدالُها بالهويةِ العالميةِ:
معَ ظهورِ العولمةِ الثقافيةِ تراجعَ استخدامُ اللغةِ العربيةِ الفصحى لصالحِ العاميةِ، حيثُ أضحى استخدامُ مزيجٍ من الحروفِ والأرقامِ اللاتينيةِ بدلَ الحروفِ العربيةِ الفصحى، خاصةً على شبكاتِ السوشيال ميديا، فتحوّلتْ حروفُ اللغةِ العربيةِ إلى رموزٍ وأرقامٍ باتتِ الحاءُ “7”، والعينُ “3”، وهذا يُؤثّرُ بشكلٍ مباشرٍ على الانتماءِ الأسريِّ، ومنْ ثمَّ العربيِّ. (مواقعُ التواصلِ الاجتماعيِّ وأثرُها على العلاقاتِ الاجتماعيةِ، أحمدُ علي الدروبي، ص8-9).
ممّا سبقَ تبيَّنَ أنَّ إدمانَ السوشيال ميديا ينطوي على أضرارٍ كثيرةٍ للأطفالِ، لذا يجبُ إزالةُ هذهِ الأضرارِ ورفعُها قدرَ الإمكانِ، لأنَّ «درءَ المفاسدِ أولى من جلبِ المصالحِ»، ولأنَّ «الضررَ يُزالُ»، فعنِ ابنِ عباسٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: «لا ضررَ ولا ضرارَ» (رواهُ ابنُ ماجهَ). (الأشباهُ والنظائرُ لتاجِ الدينِ السبكيِّ، 1/41، 105)، و(الأشباهُ والنظائرُ لابنِ نجيمَ المصريِّ، ص72، 78).
كيفَ تُحافِظُ على صحّةِ الأطفالِ العقليّةِ من إدمانِ السوشيال ميديا:
أولًا: الاستعانةُ بالأطبّاءِ النفسيّينَ:
إذا لمْ يستطعِ الوالدانِ السيطرةَ على استخدامِ السوشيال ميديا كمواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ، والألعابِ الإلكترونيّةِ، معَ ظهورِ علاماتٍ خطيرةٍ كتشتّتِ الانتباهِ وصعوباتِ التعلّمِ، حينئذٍ يجبُ الذهابُ إلى الطبيبِ النفسيِّ، لإبداءِ النصائحِ وتقديمِ يدِ المساعدةِ، والبدءِ في علاجِ هذا المرضِ بشكلٍ عمليٍّ وعلميٍّ. قالَ تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وإلّا فالتقاعسُ عن ذلكَ يُوجِبُ الإثمَ على الآباءِ، ويجنونَ من ورائِهم الخيبةَ والتعاسةَ ومنْ ثمَّ الندمَ على ما فرّطوا.
ثانيًا: العلاجُ يبدأُ منَ الوعيِ والإدراكِ بمخاطرِ إدمانِ السوشيال ميديا، والضبطِ الذاتيِّ:
كلّما زادَ وعيُ الآباءِ زادتْ قدرتُهم على الصمودِ والتصدّي للمخاطرِ الفكريّةِ والنفسيّةِ، لأنَّ السوشيال ميديا ليستْ عدوًّا، وإنّما هي «سلاحٌ ذو حدّينَ»، ينبغي استخدامها فيما ينفعُ، وإلّا سيضيعُ أطفالُنا في غياباتِ المتاهاتِ، ويُصبحونَ عبيدًا لها، تتحكّمُ فيهم بدلًا من أنْ يتحكّموا فيها.
إنَّ طريقَ العافيةِ من إدمانِ السوشيال ميديا يبدأُ منَ الوعيِ، حيثُ يُعيدُ للإنسانِ ذاتَهُ، ويُربّي أطفالَهُ على التوعيةِ بمخاطرِ استخدامِ السوشيال ميديا بشكلٍ مفرطٍ، وبهذا ننتقلُ من مستنقعِ الإدمانِ إلى حالةٍ من الهدوءِ والسكينةِ، ونُحكمُ السيطرةَ على وسائلِ التكنولوجيا الحديثةِ.
ثالثًا: تحديدُ وقتٍ معيّنٍ لاستخدامِ السوشيال ميديا:
وضعُ برنامجٍ محدّدٍ حولَ استخدامِ السوشيال ميديا بما يتناسبُ معَ عمرِ ووعيِ الأطفالِ، يُساعدُ بشكلٍ كبيرٍ على الحدِّ من إدمانِ هذهِ التقنياتِ على حياتِهم، ويُساهمُ في منعِهم من الانغماسِ الكاملِ في عالمِ الإنترنتِ معَ ضرورةِ إيقافِ البرامجِ المزعجةِ التي هي سببٌ رئيسٌ في إدمانِ السوشيال ميديا عندَ الأطفالِ، حينئذٍ سينصبُّ تركيزُهم خلالَ هذهِ المدّةِ المحدّدةِ على ما فيه الخيرُ والصلاحُ لهم.
الطفلُ الذي يُنظّمُ وقتَهُ، ويُحدّدُ هدفَهُ، ويُرتّبُ أولويّاتِه، يُصبحُ أكثرَ إنجازًا من غيرِه، وأقربَ إلى التوفيقِ والسدادِ، وعندما تنظرُ في تاريخِ السابقينَ تجدْ أنَّهم قدْ حرصوا على “ترتيبِ الأوقاتِ”، فكانوا يُسابقونَ الساعاتِ، ويُبادرونَ اللحظاتِ، فعن عبدِ الرحمنِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ سابطٍ، قالَ: “لمّا حضرَ أبا بكرٍ الموتُ دعا عمرَ رضيَ اللهُ عنهما فقالَ لهُ: اتّقِ اللهَ يا عمرُ، واعلمْ أنَّ للهِ عملًا بالنّهارِ لا يقبلُهُ باللّيلِ، وعملًا باللّيلِ لا يقبلُهُ بالنّهارِ، وأنَّهُ لا يقبلُ نافلةً حتى تُؤدّى الفريضةُ” (حليةُ الأولياء للأصبهانيِّ).
رابعًا: وضعُ حلولٍ بديلةٍ، وتشجيعُ الأنشطةِ المفيدةِ:
يجبُ تشجيعُ الأطفالِ على الانخراطِ في المسابقاتِ والفعاليّاتِ المختلفةِ، وممارسةِ الأنشطةِ المتنوّعةِ كممارسةِ الرياضةِ، أو تعلّمِ مهاراتٍ جديدةٍ، أو تخصيصِ وقتٍ لقراءةِ القصصِ المختلفةِ.
هذهِ الأنشطةُ البديلةُ تُساعدُهم في توجيهِ طاقاتِهم نحوَ ما ينفعُهم عوضًا عن الساعاتِ الطويلةِ التي يقضونَها على السوشيال ميديا، كما تُعزّزُ هذهِ الأنشطةُ تنميةَ قدراتِهم الجسديّةِ والعقليّةِ، وتُساعدُهم على الاندماجِ معَ أطفالٍ في نفسِ مرحلتِهم العمريّةِ، ممّا يُسهّلُ تكوينَ صداقةٍ معهم، وبالتالي لا يُصبحونَ عُرضةً للإصابةِ بأمراضِ التوحّدِ والعزلةِ.
خامسًا: القدوةُ الحسنةُ، والحوارُ المستمرُّ معَ الأطفالِ:
يُراقبُ الأطفالُ سلوكَ الوالدينَ دونَ أنْ يشعروا، فعليهم أنْ يكونوا مثالًا يُحتذى بهِ في كيفيةِ استخدامِ السوشيال ميديا بشكلٍ آمنٍ ومعتدلٍ، معَ تجنّبِ استخدامها في الأوقاتِ العائليةِ التي يجلسونَ فيها سويًّا.
أوصى عتبةُ عبدُ الصمدِ مؤدّبُ ولدِه فقالَ: «ليكنْ أوّلُ إصلاحِك بنيَّ إصلاحُ نفسِك، فإنَّ عيونَهم معقودةٌ بعينِك، فالحسنُ عندَهم ما فعلتَ، والقبيحُ ما تركتَ»(تاريخُ دمشقَ لابنِ عساكرَ، 38/272).
كما يجبُ على الوالدينَ إحكامُ المراقبةِ دونَ أنْ يشعرَ الأطفالُ حتى لا يُؤثّرَ ذلكَ على شخصيّتِهم ومشاعرِهم، معَ الإنصاتِ الجيّدِ والحوارِ الدائمِ معهم حولَ ما يُشاهدونَهُ وما يدورُ في خلدِهم، لاكتشافِ أيِّ خللٍ قبلَ أنْ يتطوّرَ، ويصعبَ السيطرةُ عليهِ.
كما أنَّ الحوارَ المفتوحَ يُساعدُ الأطفالَ على تقويةِ العلاقةِ بينهم وبينَ آبائِهم، ويُشعِرُهم بالأمانِ والاستقرارِ النفسيِّ.
سادسًا: توجيهُ استخدامِ السوشيال ميديا، وتفعيلُ المراقبةِ الإلكترونيّةِ:
من خلالِ الاستفادةِ من إيجابيّاتِها بدمجِها في التعليمِ، واستغلالِها لمصلحةِ الأطفالِ دونَ حظرِها أو منعِهم عنها - لأنَّ “الممنوعَ مرغوبٌ” - وتشجيعِهم على البحثِ عن معلوماتٍ بعينِها، والدخولِ على صفحاتِ الشخصيّاتِ الإيجابيّةِ المؤثّرةِ في المجتمعِ التي تعرضُ معلوماتٍ عنهم، وتنشرُ أعمالَهم وإنجازاتِهم، فهذا يُؤثّرُ مباشرةً في تكوينِ شخصيّتِهم.
وثمّةَ بعضُ المواقعِ تحتوي على موادٍّ تثقيفيّةٍ تُنمّي ثقافةَ وقدراتِ الأطفالِ مثلَ الموسوعاتِ العلميّةِ والجغرافيّةِ، أو تعليمِ مهاراتٍ يدويّةٍ للبناتِ، لذا يجبُ تحفيزُ الأطفالِ على مطالعةِ هذهِ المواقعِ بدلًا من إهدارِ الوقتِ في السوشيال ميديا.
كما أنَّ هناكَ بعضَ المواقعِ والألعابِ الإلكترونيّةِ يُؤدّي إدمانُها والتفاعلُ معها إلى مخاطرَ جسيمةٍ، لأنّها قدْ تُسبّبُ الانتحارَ أو الإلحادَ أو تُشجّعُ على الإباحيّةِ المطلقةِ والشذوذِ الجنسيِّ، لذلكَ يجبُ الإلمامُ التامُّ بالمواقعِ والموادِّ التي يستخدمُها الأطفالُ، لحمايتِهم من أضرارِها وتجنّبِ تصفّحِها.
سابعًا: تنويعُ ما يُستغلُّ بهِ الوقتُ لدى الأطفالِ:
النفسُ تسأمُ وتملُّ بسرعةٍ، لذا ينبغي تقسيمُ الوقتِ ما بينَ الجدِّ والعملِ، والترويحِ عن النفسِ، كي يدفعَ الأطفالَ لمزيدٍ من الأعمالِ الصالحةِ.
عنِ ابنِ مسعودٍ قالَ: كانَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ «يَتَخَوَّلُنا بالموعظةِ في الأيامِ كراهةَ السآمةِ علينا» (رواهُ البخاريُّ).
وعنْ حنظلةَ قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: «يا حنظلةُ ساعةً وساعةً، ولو كانتْ تكونُ قلوبُكم كما تكونُ عندَ الذكرِ، لصافحتْكمُ الملائكةُ حتى تُسلّمَ عليكم في الطرقِ»(رواهُ مسلمٌ).
قالَ الإمامُ الغزاليُّ: «ترويحُ النفسِ وإيناسُها بالمجالسةِ، والنظرِ والملاعبةِ، إراحةٌ للقلبِ وتقويةٌ لهُ على العبادةِ، فإنَّ النفسَ ملولٌ، وهي عن الحقِّ نفورٌ، لأنَّهُ على خلافِ طبعِها، فلو كُلّفتِ المداومةَ بالإكراهِ على ما يُخالفُها جمحتْ وثابتْ، وإذا روّحتْ باللذاتِ في بعضِ الأوقاتِ قويتْ ونشطتْ، وينبغي أنْ يكونَ لنفوسِ المتّقينَ استراحاتٌ بالمباحاتِ».
قالَ عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ: «روّحوا القلوبَ ساعةً، فإنّها إذا أُكرِهتْ عَمِيَتْ» (إحياءُ علومِ الدينِ، 2/30).
المسؤوليّةُ المجتمعيّةُ تجاهَ السوشيال ميديا:
تكثيفُ النشاطِ الدعويِّ للأئمّةِ والدعاةِ:
بيانُ أنَّ الإسلامَ دينُ الوسطيّةِ والاعتدالِ في كلِّ شيءٍ، قالَ تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، وقالَ أيضًا: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]، وترشيدُ الاستخدامِ لهذهِ التقنياتِ، وضرورةُ التوعيةِ بـ«استغلالِ الوقتِ» بما يعودُ بالنفعِ على الفردِ والمجتمعِ، وأنَّ الوقتَ المهدورَ لا يُعوَّضُ ولا يرجعُ.
قالَ الوزيرُ يحيى بنُ هبيرةَ البغداديُّ: وَالْوَقْتُ أَنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ ** وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ
إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالأَيَّامِ نَقْطَعُهَا ** وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَلِ
فَاعْمَلْ بِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ مُجْتَهِدًا ** فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ فِي الْعَمَلِ
قالَ الأوزاعيُّ: «ليسَ ساعةٌ من ساعاتِ الدنيا إلّا وهيَ معروضةٌ على العبدِ يومَ القيامةِ، يومًا فيومًا، وساعةً فساعةً، فلا تمرُّ بهِ ساعةٌ لمْ يذكرِ اللهَ فيها إلّا تَقَطَّعتْ نفسُهُ عليها حسراتٍ، فكيفَ إذا مرّتْ بهِ ساعةٌ معَ ساعةٍ ويومٌ معَ يومٍ».
ضرورةُ تكاتفِ المؤسّساتِ المعنيّةِ والمجتمعيّةِ بحمايةِ الأطفالِ منْ مخاطرِ السوشيال ميديا، والعملُ على مواجهةِ المواقعِ الإلكترونيّةِ التي تُركّزُ على عرضِ موضوعاتٍ لا تتناسبُ معَ المراحلِ العمريّةِ للأطفالِ.
عقدُ ورشِ عملٍ وندواتٍ علميّةٍ، لإبرازِ مخاطرِ إدمانِ الأطفالِ للسوشيال ميديا، والعملُ على زرعِ القيمِ والمبادئِ داخلَ نفوسِ الأطفالِ منذُ نعومةِ أظفارِهم، والعملُ على وجودِ محتوى هادفٍ يحميهم ممّا يُقدَّمُ على السوشيال ميديا، ويعملُ على تدريبِ الأطفالِ على مهاراتِ «التفكيرِ النقديِّ»، لاختيارِ المحتوى الهادفِ والابتعادِ عنِ الضارِّ والمفسدِ.
تدريسُ مادةٍ عنِ السوشيال ميديا للأطفالِ بدءًا منَ المراحلِ التمهيديّةِ، وذلكَ لتحذيرِهم منْ سلبيّاتِ كلِّ ما يُعرَضُ على مواقعِ السوشيال ميديا، وتبنّي حملاتٍ تثقيفيّةٍ إعلاميًّا يُقدّمُها شخصيّاتٌ مؤثّرةٌ في المجتمعِ، وضرورةُ تأهيلِ الوالدينَ نفسيًّا وسلوكيًّا، لحسنِ التعاملِ معَ الأطفالِ، واكتشافِ مواهبِهم، والتوعيةِ بمخاطرِ إدمانِ السوشيال ميديا.
سألَ اللهَ أنْ يرزقَنا حسنَ العملِ وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنا مصرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمينَ، ووفّقَ وُلاةَ أمورِنا لما فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
اقرأ أيضاً
موضوع خطبة الجمعة القادمة.. «إدمان الأطفال وسائل التواصل الاجتماعي»«إدمان الأطفال وسائل التواصل الاجتماعي».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة
«مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى».. نص موضوع خطبة الجمعة المقبلة


















0 تعليق