ما بعد اتفاق غزة.. هل تشهد القاهرة اتفاق المصالحة في السودان؟ - الفجر سبورت

الأسبوع 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حين تُطفأ نيران غزة وتغادر طائرات الحرب سماء الشرق، تبدأ القاهرة، في صمتها الأزلي، فصلاً جديدًا من لعبة توازنات القوى. فكما كانت بوابة الحرب والسلام، تعود اليوم لتفتح غرفها السرّية أمام الأطراف السودانية المتناحرة، في محاولة لإعادة تركيب الجغرافيا السياسية الممزقة بين النيلين. المنطقة من صنعاء إلى دمشق، ومن طرابلس إلى بيروت، تمر بمرحلة إعادة ترسيم النفوذ والحدود والمصالح، ومصر، التي خبرت تاريخ الانكسارات والانتصارات، تعرف أن لحظة التهدئة في غزة هي فرصة لإعادة هندسة المشهد العربي وتثبيت استقرار طال انتظاره، يبدأ من الخرطوم هذه المرة، لا من العواصم الكبرى.

منذ أسابيع، وبعد توقيع اتفاق غزة في شرم الشيخ، تحولت القاهرة إلى غرفة عمليات دبلوماسية هادئة، تتقاطر إليها الوفود بصمت، ما بين أميركيين وسعوديين وقطريين وإماراتيين وأفارقة، وكل طرف يحمل في حقيبته تصورًا لما يمكن أن يكون عليه السودان الجديد بعد الحرب الطويلة بين الجيش وقوات الدعم السريع. لكن خلف المشهد العلني هناك مطبخ سياسي مصري دقيق، تديره مؤسسات تعرف أن الخرطوم ليست مجرد نزاع داخلي، بل بوابة الأمن القومي جنوبًا، وساحة توازن بين النيلين الأبيض والأزرق، وبين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم.

الملف السوداني لا يُدار كقضية عربية فحسب، بل كملف استراتيجي يمس المياه والحدود ويعيد رسم خطوط السيطرة في حوض النيل. ولهذا السبب تحاول مصر أن تجمع بين مقاربتين: الأولى عربية برعاية سعودية - إماراتية - قطرية تركز على إعادة دمج القوى المدنية والعسكرية، والثانية أفريقية عبر وساطة مصرية مع "الإيغاد" والاتحاد الإفريقي لإعطاء الاتفاق طابعًا قاريًا يمنع أي اختراق أجنبي مباشر. في مبنى قديم يطل على النيل في حي الزمالك، تُدار جلسات مغلقة بعيدًا عن الأضواء، يلتقي فيها ممثلون عن الفصائل السودانية بحضور مبعوثين دوليين وتحت مظلة مصرية دقيقة المراقبة. تبدأ الجلسات بمناقشة وقف إطلاق النار لكنها سرعان ما تتجه إلى ما هو أعمق: مستقبل الحكم، توزيع الثروات، الأمن الحدودي، ومصير الجيش السوداني الموحد.

وتقول مصادر دبلوماسية عربية مطّلعة إن القاهرة تنسق هذه الأيام مع الرياض وأبوظبي والدوحة لوضع مسودة "إعلان مبادئ سوداني" على غرار اتفاقات الطائف والدوحة من قبل، لكنه هذه المرة سيكون برعاية مصرية - إفريقية - عربية مشتركة، تحمل شعار "لا عودة للسلاح.. ولا إقصاء لأحد"، تعرف القاهرة أن السودان ليس فقط عمقها الجغرافي، بل صمام أمانها المائي، فحوض النيل لا يُختصر في سد النهضة فحسب، بل في مجمل شبكة المصالح التي تمتد من بحيرة فيكتوريا حتى دلتا مصر. ومن هنا فإن أي استقرار سياسي في السودان يعني بالضرورة تأمين المجرى الحيوي للمياه، وقطع الطريق على أي مشاريع أجنبية لتدويل النهر أو فصله عن المجال العربي.

كما أن مصر، بعد أن نجحت في وقف الحرب في غزة، تريد أن ترسل رسالة صريحة للمجتمع الدولي: من لا يستطيع أن يصنع سلامًا في الخرطوم لن ينجح في حماية مصالحه في البحر الأحمر، البحر الأحمر اليوم لم يعد مجرد ممر تجاري، بل ميدان تنافس بين الأساطيل والميليشيات والمصالح من باب المندب إلى بورتسودان. وهنا تتقاطع الرؤية المصرية مع الرؤية السعودية في الحفاظ على أمن الممرات البحرية، ومنع تمدد النفوذ الإيراني أو الإسرائيلي أو حتى الروسي على الساحل الغربي للبحر الأحمر.

منذ عامين اختارت القاهرة سياسة الصوت الخافت، لا تعلن مواقفها قبل أن تُطبخ الملفات. فخلف كل مؤتمر هناك عشرات اللقاءات التي لا تُنشر صورها، وخلف كل اتفاق هناك خطوط حمراء مصرية واضحة: لا تفكك للدولة السودانية، لا ممر آمن للمرتزقة والميليشيات الأجنبية عبر دارفور، ولا تقسيم جغرافي أو إثني يهدد وحدة الأراضي. ومع ذلك تحافظ مصر على قنواتها مع جميع الأطراف، حتى مع الدعم السريع، عبر وسطاء أفارقة. فالقاهرة تفكر بعقل الدولة لا بعقل التحالفات المؤقتة، وتدرك أن السودان الممزق سيجعل كل حدودها الجنوبية عرضة للاختراق.

وفي الغرف السرّية تتحدث الوفود عن صفقة شاملة تتضمن حكومة انتقالية جديدة، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وضمانات اقتصادية تمولها الدول الخليجية، مقابل التزام الأطراف بعدم العودة إلى السلاح ودمج قوات الدعم السريع ضمن جيش وطني موحد.نجاح مصر في فرض هدنة دائمة في غزة جعل منها الطرف الأكثر موثوقية عربيًا ودوليًا. واشنطن نفسها باتت تدرك أن القاهرة وحدها تستطيع التعامل مع ملفات معقدة دون ضجيج، ولهذا، فبعد غزة، تبدو الخرطوم هي التحدي الأكبر: اختبار جديد

اقرأ أيضاً
الصحة العالمية: مقتل 460 مريضا ومرافقا بمستشفى الولادة فى الفاشر بالسودان

المنظمة الدولية للهجرة: 33 ألف نازح في الفاشر السودانية خلال 72 ساعة

وزير الخارجية وكبير مستشاري ترامب يؤكدان أهمية الوقف الفوري والدائم للحرب في السودان

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق