أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمس الأحد، إصدار إعلان دستوري يتعلق بحالة "شغور مركز رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية".
وينص الإعلان على أنه "في حال شغور منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي ظل غياب المجلس التشريعي، يتولى نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي يشغل كذلك منصب نائب رئيس دولة فلسطين، مهام رئاسة السلطة الوطنية بصفة مؤقتة لمدة لا تتجاوز تسعين يوما".
وخلال هذه الفترة، يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استمرار عمل مؤسسات الدولة وفق الأطر الدستورية والقانونية المعمول بها.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور جهاد أبو لحية، أستاذ القانون الدولي، إن لا يوجد سند قانوني في القانون الأساسي الفلسطيني يجيز إصدار ما يعرف بـ"الإعلانات الدستورية"، إذ لم يتضمن القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته لعام 2005 أي نص يمنح رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية هذه الصلاحية، سواء بصورة مباشرة أو ضمنية.
وأضاف أبو لحية- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن يعد اللجوء إلى هذا الأسلوب ممارسة سياسية خارج الإطار الدستوري، تتجاوز آليات التعديل التي نص عليها القانون الأساسي نفسه في المادة (120)، والتي تحصر تعديل أحكامه بقرار يصدر عن المجلس التشريعي بأغلبية الثلثين ومصادقة الرئيس عليه.
وأشار أبو لحية، إلى أن الإعلان الدستوري الصادر مساء أمس عن الرئيس محمود عباس، الذي يقضي بأنه في حال شغور منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي ظل غياب المجلس التشريعي، يتولى نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مهام الرئاسة مؤقتا، جاء بعد الإعلان الدستوري رقم (1) لسنة 2024، الذي نص على تولي رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مهام الرئاسة المؤقتة في حال شغور المنصب.
وتابع: "تارة ينقل الاختصاص إلى رئيس المجلس الوطني، وتارة إلى نائب رئيس اللجنة التنفيذية، ما يعكس حالة تخبط في هندسة النظام الدستوري الفلسطيني ومحاولة مستمرة لسد فراغ مؤسسي بوسائل استثنائية غير منصوص عليها دستوريا".
وأردف: "هذا التخبط ليس مجرد مسألة إجرائية، بل يعبر عن أزمة بنيوية في النظام السياسي الفلسطيني، تفاقمت بفعل الانقسام الداخلي واستمرار تعطيل العملية الديمقراطية، وخاصة تأجيل انتخابات عام 2021 في اللحظة الأخيرة تحت مبررات غير مقنعة قانونيا أو سياسيا".
واختتم: "غياب المجلس التشريعي المنتخب، وتركز الصلاحيات في يد السلطة التنفيذية، أوجد فراغا دستوريا يملأ بقرارات استثنائية تفتقر إلى السند القانوني، مما يهدد مبدأ الفصل بين السلطات ويمس الشرعية الدستورية، كما أن منح الصلاحيات لنائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية يمثل خلطا بين مؤسسات السلطة الوطنية ومنظمة التحرير، وهو ما يخلق ازدواجية مؤسسية تتعارض مع أحكام النظام الدستوري الفلسطيني القائم على الفصل بين الكيانات القانونية والسياسية".
ومن جانبه، أوضح الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن الإعلان الدستوري الجديد ينص على أنه "خلال المدة الانتقالية المحددة بتسعين يوما، تجرى انتخابات حرة ومباشرة لاختيار رئيس جديد للسلطة الوطنية الفلسطينية، وفقا لقانون الانتخابات الفلسطيني".
وأضاف أن "في حال تعذر إجراء الانتخابات خلال تلك المدة لأسباب قاهرة، يمكن تمديد الفترة الانتقالية بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني لمرة واحدة فقط".
ووفق ما أوردته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، فإن "الإعلان الدستوري الجديد يلغي الإعلان الدستوري رقم (1) لسنة 2024، حفاظا على المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني".
وأكد الرئيس عباس في نص الإعلان أن إصدار هذا القرار "يأتي تأكيدا على مبدأ الفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة، تضمن مشاركة الشعب الفلسطيني في اختيار قيادته".
والجدير بالذكر، أن أثار الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمود عباس بشأن آلية تولي نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مهام رئاسة السلطة الوطنية، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والقانونية الفلسطينية.
فبينما يرى البعض أنه جاء في توقيت حساس بهدف تجنب فراغ دستوري محتمل وضمان استمرارية مؤسسات الحكم الوطني، يرى آخرون أنه يفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول آليات التنفيذ وضمانات الانتقال الديمقراطي ودور القوى السياسية في المرحلة المقبلة.
وتبقى أبرز علامات الاستفهام المطروحة تتعلق بمدى وجود ضمانات حقيقية لإجراء الانتخابات الرئاسية خلال التسعين يوما التي نص عليها الإعلان، وحتى اللحظة، لا توجد خارطة طريق واضحة أو جدول زمني معلن يوضح كيفية تنظيم العملية الانتخابية، أو الجهة التي ستشرف على تنفيذها ومتابعتها.
وتثار تساؤلات أيضا حول دور لجنة الانتخابات المركزية، وآليات تحديث سجل الناخبين، فضلا عن مصير مشاركة القدس في الانتخابات، في ظل غياب ضمانات محلية ودولية كافية.
وبذلك، يخشى مراقبون أن يبقى هذا البند نظريا فقط، قابلا للتأجيل أو التعطيل كما حدث في تجارب سابقة، ولا سيما بعد إلغاء انتخابات عام 2021 في اللحظات الأخيرة.
ومن الجوانب المثيرة للجدل في الإعلان الجديد، مصطلح "القوة القاهرة" الذي يتيح تمديد الفترة الانتقالية لما بعد التسعين يوما بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني.
فهذا المفهوم، بحسب خبراء قانونيين، ما زال فضفاضا وغير محدد المعايير، مما يفتح الباب أمام تأويلات سياسية متباينة.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه "القوة القاهرة" تشمل الاحتلال الإسرائيلي، أو الحرب، أو الانقسام الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، كما لم يحدد الإعلان الجهة المخولة قانونيا بتحديد وقوع مثل هذه الحالة.
إلى جانب ذلك، يثير الإعلان تساؤلات حول كيفية إدارة العلاقة بين الرئيس المؤقت وبقية مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، خاصة في ظل تعطل المجلس التشريعي منذ سنوات طويلة.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة ستكتفي بتصريف الأعمال خلال المرحلة الانتقالية، أم ستشارك الرئيس المؤقت في ممارسة السلطة التنفيذية بشكل كامل.
كما يطرح تساؤل آخر حول كيفية تنظيم العلاقة مع السلطة القضائية والأجهزة الأمنية، بما يضمن عدم تداخل الصلاحيات أو حدوث صدام مؤسسي بين السلطات المختلفة، والحفاظ على مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال كل منها.


















0 تعليق