لاشك أن استفهام هل كثرة الإنجاب باب للرزق ؟، يعبر عن اعتقاد شائع لدى كثير من العامة بأن كل طفل يأتي برزقه، فيواصلون الإنجاب بكثرة غير مهتمين بدعوات تنظيم الأسرة، ولا بكيفية رعاية هذا العدد الكبير من الأبناء وتنشئتهم بطريقة صحيحة، تجعلهم أسوياء، ولعل هذا ما يفرض أهمية الوقوف على حقيقة هل كثرة الإنجاب باب للرزق الواسع؟.
هل كثرة الإنجاب باب للرزق
قال الشيخ محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن معنى أن الطفل يأتي برزقه لا يعني إنجاب أي عدد من الأطفال، والأمور لا تسير على هذا النحو، وذلك لأن الإنجاب يحتاج الأخذ بالأسباب والتوكل على الله سبحانه وتعالى.
وأوضح “ شلبي ” في إجابته عن سؤال: « هل كثرة الإنجاب باب للرزق وهل ما توارثنا عليه من أن الطفل يأتي برزقه معه، يعني إنجاب أي عدد من الأطفال؟»، أن الأخذ بالأسباب من جملة التوكل على الله، فعندما ينجب الإنسان هو مسئول عن هذه الذرية؛ فالمسألة ليست على إطلاقها، منوهًا بأنه كلما كان العدد قليلا، واستطاع ولي الأمر أن يعلمه جيدًا و يقدر على الإنفاق وتلبية احتياجاته، كان أفضل وأكثر بركة من إنجاب عدد كبير وعدم القدرة على حمل المسئولية.
وكانت قد أطلقت دار الإفتاء المصرية، عبر صفحتها الرسمية على موقع «فيس بوك» هاشتاج «تنظيم_النسل_جائز»، للتأكيد على جواز تنظيم النسل، فيما أشار الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية السابق ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إلى أن القضية السكانية من أهم القضايا لأنها تمس الأمن الفكري والقومي معا، وتحتاج علاجا حاسما لتفادي الأزمات التي تترتب عليها، ولارتباطها ببعض الأفكار المغلوطة التي ترى أن تقنينها يتعارض مع المشيئة الإلهية».
ونبه إلى أن أصناف ترتيب الأمور أو أقسام المقاصد في الشريعة الإسلامية يكون على درجات مختلفة؛ فأعلاها مرتبة الضرورة والتي إذا لم يفعلها الإنسان يكون مُعرضًا للهلاك والدمار وزعزعة الأمن والاستقرار.
وأشار إلى أن هناك مرتبة أخرى أقل منها في الرتبة وهي مرتبة الحاجيات التي يكون الإنسان فيها في مشقة شديدة إذا لم يفعل أشياء معينة، ثم رتبة التحسينات وتشمل الأمور التحسينية أو الترفيهية، كمسألة تنظيم النسل قياسًا على مراد الصحابة في مسألة العزل.
ونوه بأنه استنادًا إلى أقوال أهل العلم، ووفقًا لترتيب المقاصد، فإذا كان التحسين جائزًا؛ فمن باب أولى أن يكون الضروري جائزًا، وهو ما ينطبق على مسألة تنظيم النسل حيث تشير الدراسات المعتمدة إلى أنه ضرورة.
الرزق
يعد الرزق من أكبر الهموم التي تشغل بال العباد وتسيطر على تفكيرهم قضية الرزق، وانشغالهم في تحصيلها، ومن المعلوم أنّ الله -تعالى- لمّا خلق الخلق قسم بينهم أرزاقهم، فلم ينسَ أحداً منهم، حتى الجنين في بطن أمّه هيّأ له أسباب الرزق.
فلا بدّ أن يحرص الإنسان على ألّا تطغى هذه القضية على حياته، فيسلك طرق جمع المال في الحلال والحرام، حتى تطغى الماديّات على حياته وأخلاقه ودينه، فينسى ما أمره الله به من الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة، فالواجب على المسلم أن يبذل جهده ويأخذ بالأسباب ثمّ يتوكّل على الله، فيظهر ضعفه له، وحاجته إليه.
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لو أنَّكم توَكَّلُونَ على اللَّهِ تعَالى حقَّ توَكُّلِه لرَزقَكم كما يرزقُ الطَّيرَ تغدو خِماصًا وتروحُ بِطانًا).
أسباب زيادة الرزق
ورد أن من المعلوم أنّ السعة في الرزق من الأمور التي يسعى لتحصيلها كلّ إنسانٍ، ولا يصل إليها الإنسان إلّا بتوفيقٍ من الله تعالى، فالحصول على المال من زينة الحياة الدنيا، كما قال الله تعالى: (المالُ وَالبَنونَ زينَةُ الحَياةِ الدُّنيا)، وجعل الله لزيادة الرزق واتساعه أسباباً يحصل باتباعها الأجر والثواب، بالإضافة إلى ما يحصل من سعة الرزق، ومنها:
- التقوى؛ فهي باب كلّ خيرٍ، والمانع من الوقوع في كلّ محرّمٍ، وهي من الأسباب التي تفرّج الكروب، وتجلب الرزق، كما قال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، والتقوى كما عرّفها عليّ بن أبي طالب أنّها: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، فمن كان نهجه في حياته التقوى فلا يخاف على رزقه.
- الاستغفار؛ فله فوائد جليلة، كما أنّه سهلٌ على اللسان، وجائز في كلّ زمانٍ، وقد أمر الله -تعالى- به، فقال: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).
- الدعاء؛ فهو الوسيلة التي يتواصل بها العبد مع ربّه، وبه يطلب العبد ما يشاء من تفريج كربٍ، أو شفاءٍ من مرضٍ، أو سعة رزقٍ، فما على المسلم إلّا أن يدعو ربّه متضرّعاً له، طالباً منه أن يُوسع له في رزقه.
- التسبيح؛ فيسبّح المسلم الله في كلّ زمانٍ، فيثقل ميزانه، ولعلّ الله بثقل ميزانه يرزقه.
- التّوكل على الله، فيعتقد المسلم في نفسه أنّ الله -تعالى- هو المعطي والمانع، وأن لا أحداً غيره يستطيع أن ينقص من رزق الآخر شيئاً، ولو فعل ما فعل، فيأتي بالأسباب ثمّ يتوكّل على الله، مع يقينه التام أنّ الله هو المعطي، والرازق، والمانع.
- صلاة الضحى؛ ففيها من الخير الكثير، حيث ورد في الحديث القدسي: (ابنَ آدمَ اركعْ لي أربعَ ركَعاتٍ من أولِ النهارِ أكفِك آخرَه).
- الزواج؛ فقد توعّد الله -تعالى- للفقير بالغنى إن تزوّج.
- الولد؛ فهو من أسباب الرزق، وقد نهى الله -تعالى- عن الامتناع من الإنجاب بسبب الخوف من الرزق، فكلّ مولود يُولد ورزقه يأتي معه.
- صلة الرحم؛ فهي من أعظم أسباب السعة في الرزق، كما قال رسول الله: (مَن أحبَّ أن يبسُطَ لَه في رزقِه، ويُنسَأَ لَه في أثَرِه، فليَصِلْ رَحِمَهُ).
- الصّدقة؛ فهي صورةٌ من صور تكافل المجتمع والتعاون فيما بينهم، سواءً كان الإنفاق قليلاً أو كثيراً، فالله -عزّ وجلّ- ينمّي المال بالإنفاق منه، ولا يعدّ الإنفاق نقصاناً للمال، بل نماءً له.
أنواع اع الرزق
ورد أن الرزق ليس مخصوصًا أو منحصرًا في المال وحده، وإن كان من حرم المال يشعر بالتعاسة، رغم أن السعادة غير مرتبطةٍ بجني المال وحسب، وسبب ذلك أنه يتصوّر كثير من الناس أنَّ الرزقَ محصورٌ فقط في المال، وهذا نوعٌ واحدٌ ضيِّقٌ من أنواع الرزق.
بينما أنّ أنواع الرزق أكثر من أن يُحصر في المال، وهي كثيرة يمكن تعدادها حتى تشمل جميع جوانب حياة الإنسان وما يُنتفع به فيها، وما قد يسَّره الله له لتسهيل العيش في الدنيا، ومن أنواع الرزق ما يلي:
• أجمل الأرزاق؛ سكينة الروح، ونور العقل، وصحة الجسد، وصفاء القلب، وسلامة الفكر، ودعوة أم، وعطف أب، ووجود أخ، وضحكة ابن، واهتمام صديق ودعوة محبين.
• رزقُ الإيمان: فالمؤمن بربّه والمؤمن بوجوده هوَ صاحبُ رزقٍ عريض وعطاءٍ عظيم، ولأنّ الرزق هوَ نفعٌ للإنسان ومن مميزاته أنّهُ يأتي دومًا بالخير، فالإيمان رزقٌ يؤدّي بصاحبهِ إلى دُخول الجنّة والسعادة في الدُّنيا والآخرة.
• رزقُ العِلم والفقه والحِكمة: فالعِلم هو ميراث الأنبياء، وكذلك الحِكمة هيَ عطاء عظيم؛ لأنَّ الله قالَ عمّن أوتي الحكمة بأنّهُ أوتيَ خيرًا كثيرًا، وكذلك الفقه والفهم هوَ رزق واسِع؛ لأنَّ من يُرِدِ اللهُ بهِ خيرًا يُفقّههُ في الدين.
• رِزق الصحّة والعافية: الصحة هيَ نعمةٌ ورزقٌ لا يملكها كثيرٌ من الناس، ومن كانَ مُعافىً في بدنه فكأنّهُ قد ملكَ الدُنيا بأسرها، فليست نعمةٌ في الدنيا -بعدَ الإيمان بالله- تعدلُ نعمة الصحة والعافية.
• رِزق المال: وهوَ رزقٌ يعتاش منهُ الإنسان، ويقضي بهِ حوائجه، وينتفع بهِ هو وأهله. رزق الزوجة الصالحة: فإن الزوجة الصالحة من الرزق الذي يهبه الله لعباده، وبذلك جاءت الإشارة النبويّة؛ حيث صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (الدُّنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِ الدُّنيا المرأةُ الصَّالحةُ).
• رِزق الذُريّة الصالحة: رزقُ الذريّة الصالحة من خير ما يتحصّل عليه الإنسان في الدنيا؛ لأنَّ الذريّة الشقيّة تُشقي صاحبها وتُشقي المُجتمعات، بينما الذريّة الطيّبة تَسعد بها أنت ومن حولك، وهي قُرّةُ عين ومصدر للسعادة.
• رزق محبّة الناس لك: فالإنسان القريب من الناس والمألوف عندهم هوَ شخصٌ محظوظ قد ألقى الله لهُ القَبول في الأرض وبين عباده، فكم من شخصٍ ذائع الصيت بكرمِ أخلاقه وحُسن سُمعته! وكم من شخصٍ منبوذ بين الناس مُحتقَر عندهم بغيض إلى قُلوبهم!.


















0 تعليق