لم يعد ارتفاع منسوب مياه البحار مجرد تحذير بيئي نظري، بل أصبح واقعا يتسارع بوتيرة تهدد مستقبل المدن الساحلية حول العالم.
فقد كشفت دراسة جيولوجية حديثة قادتها جامعة روتجرز الأمريكية أن كوكب الأرض يشهد حاليا أعلى معدلات لارتفاع مستوى سطح البحر منذ أربعة آلاف عام، محذرة من أن التدخل البشري يضاعف من حدة الأزمة في أكثر المناطق حيوية اقتصادياً.
بيانات تاريخية تكشف الحقيقة
وبحسب الدراسة المنشورة في مجلة «نيتشر» (Nature) المرموقة، حلل العلماء سجلات جيولوجية دقيقة من الشعاب المرجانية وأشجار المانجروف التي تحفظ آثار مستويات سطح البحر عبر آلاف السنين.
وأظهرت النتائج أن منسوب مياه البحر العالمي ارتفع منذ عام 1900 بمعدل 1.5 مليمتر سنويا، وهو تسارع غير مسبوق مقارنة بأي فترة مماثلة خلال آخر 40 قرناً.
وأوضح الدكتور روبرت كوب، أستاذ العلوم الجيولوجية في جامعة روتجرز والمشارك في الدراسة، أن هذه السجلات توفر "خريطة زمنية ثمينة" تساعد على فهم المخاطر التي تواجهها المدن الساحلية اليوم، مؤكدا أن «البيانات الجيولوجية تمثل مفتاحاً لتقدير مدى هشاشة مناطقنا أمام التغير المناخي».
ذوبان الجليد والتمدد الحراري محركا الكارثة
ترجع الدراسة التسارع الحاصل إلى عاملين رئيسيين مرتبطين بتغير المناخ:
التمدد الحراري للمحيطات نتيجة امتصاصها المتزايد للحرارة.
ذوبان الصفائح الجليدية في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، إلى جانب الأنهار الجليدية الأصغر، ما يضيف كميات ضخمة من المياه إلى المحيطات.
لكن الخطر الأكبر، بحسب الباحثين، يكمن في العوامل البشرية التي تفاقم الأوضاع محلياً، خصوصاً في المدن المشيدة على مناطق الدلتا الرخوة، حيث تتعرض التربة للهبوط الطبيعي، وتزيد الأنشطة البشرية من تسارعه.
مدن الدلتا الصينية في عين العاصفة
تعد مدن مثل شنغهاي وشنتشن وهونغ كونج من أبرز الأمثلة على هذا الخطر المركب فهذه المراكز الاقتصادية الكبرى تعاني من الهبوط الأرضي الناتج عن الاستخراج المفرط للمياه الجوفية.
وأظهرت الدراسة أن أجزاء من شنغهاي هبطت بأكثر من متر واحد خلال القرن العشرين، وهي وتيرة تفوق بكثير معدل ارتفاع منسوب البحر العالمي.
ويحذر الدكتور يوتشينج لين، قائد فريق البحث، من أن «الهبوط الأرضي بالتوازي مع ارتفاع البحر يخلق تهديداً مزدوجاً للبنى التحتية وسلاسل الإمداد العالمية»، مشيراً إلى أن ارتفاعاً لا يتجاوز بضعة سنتيمترات فقط قد يضاعف خطر الفيضانات في تلك المدن.
بصيص أمل من التجارب المحلية
رغم الصورة القاتمة، تؤكد الدراسة أن الإجراءات المحلية الفعالة قادرة على الحد من الكارثة.
فقد تمكنت شنغهاي، على سبيل المثال، من تقليص معدلات الهبوط الأرضي عبر تنظيم استخراج المياه الجوفية وإعادة ضخ المياه العذبة في الطبقات الجوفية، ما أبطأ من وتيرة الغرق.
ويقول لين إن هذه النتائج تثبت أن "التصرف المحلي الذكي يمكن أن يغير المعادلة"، داعياً المدن الأخرى إلى الاستفادة من التجارب الناجحة.


















0 تعليق