لا شك أننا نعيش الآن في ظل عالم متغير ، أخشى أن أقول سيطرت الآلة عليه ، وأتمنى أن أكون مخطئا.
لكن ما نراه الآن ونسمع عنه ونشاهده في كل يوم عن ثورة معلوماتية رهيبة وتقدم تقني غير مسبوق وصيحات متلاحقة ألحقوا ركب التقدم والا سيفوتكم ليس هذا وحسب بل قد يصل الأمر إلى حد القول أنه سيدهسكم تحت عجلاته وتصبحون في خبر كان أو طي النسيان.
نعم رضينا أم لم نرضى ، إنه عصر الانفتاح السمواتي ، الأقمار الصناعية ، الميتافيرس ، الرقمنة ، تطبيقات الذكاء الاصطناعي ، تطبيقات مواقع التواصل الإجتماعي ، واتس آب ، فيس بوك ، منصات التواصل ، ويبيكس ، زووم ، توك توك ، انستجرام ، وغيرها ،" ويخلق ما لا تعلمون"، هل نقول نحن في زحام من النعم ، أم زحام من الفوضى والنقم.
فمتى تكون نعم ، ومتى تكون نقم.
الإجابة واضحة لكل لبيب ، تكون نعم إذا ما أحسن استخدامها وأصبحت ثمة مواثيق ومعاهدات تضمن الحفاظ على قيمنا ومبادئنا وأخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا ، فليس الوازع الداخلي وحده يكفي لتفاوت درجات الناس في هذا الأمر ولاختلاف مجتمعاتهم وثقافاتهم فما نعده نحن في مجتمعاتنا العربية والإسلامية لا أخلاقي ، قد تعده مجتمعات أخرى أخلاقي ، وقد تعده مجتمعات ثالثة أنه خارج دائرة الحكم الأخلاقي.
ومن ثم بات الأمر ملحا إلى ضرورة إيجاد صيغة قانونية وتشريعات دولية يخضع لها الجميع تضمن سلامة وصحة استخدام مثل هذه التقنيات ، تقي الإنسان بما هو كذلك من الوقوع في شراك وبراثن الرذائل الأخلاقية ، فليست الرذائل مقصورة على الاباحات الجنسية والشذوذ فقط، وإنما في ظل هذا العالم المفتوح كل نقيصة تودى بالإنسان إلى انحرافه عن سلوكه الخير وعن قيمه الخلقية التي طالما ظل يدافع وينافح عنها طيلة حياته تدخل في باب الرذائل.
وقد تكون نقمة إذا استخدمت بقصد أو عن غير قصد في إفساد المجتمعات ونشر الموبقات واباحة الشذوذ والشرعنة له بحجة الحرية ، والحرية المسؤولة من كل ذلك براء ، فالحرية لا تكون كذلك إلا إذا تحققت على مسرح حريات الآخرين كما قال جان بول سارتر ، فعندما يكون الآخر حرا أصبح أنا حرا ، فما الجناية التي ارتكبها الناس عندما يدخلون على محرك جوجل وعلى الإنترنت فيشاهدون كل هذه المهلكات من أفلام العري والشذوذ ، أليس في ذلك إهدار لآدمية الإنسان الذي كرمه الله ، ليس هذا وحسب بل ويشاهدها الكبار والصغار والنساء ، أليس ذلك نشر للرذيلة ، ورب واحد يقول من الممكن أن نقف رقباء على أولادنا وبناتنا ، نرد قائلين راقبناهم في بيوتنا هل سنراقبهم في مدارسهم ، جامعاتهم ، أعمالهم.
الأمر جد خطير ، بل والأخطر من ذلك أن القائمين على هذه التطبيقات يغدقون العطايا على من يستخدمها بالمال تارة وبالهدايا العينية تارة أخرى وتلك طآمة كبرى ، اللعب على الوتر الحساس والضرب بمنتهى القوة عليه مستغلين الضوائق المالية والحالات الاقتصادية وضيق الرزق مع الناس ، فلا يجدون فكاكا من الكسب غير المشروع بعد أن زين لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسنا ، فنجد من يصور زوجه أو ابنته وهي ترقص عارية.
أو يسجل فيديو يتصدر فيه للفتوى بغير علم ، ومن ثم يصبح المتلقي في حيرة من أمره هل نشاهد ونسمع أم لا ، هل نقلد هؤلاء أم نظل قابضين على جمار قيمنا ، نعم القابضون المستمسكون بقيمهم كالقابضون على الجمر الآن.
والسؤال المهم على الأقل منذ وجهة نظري - أين موقع العقل البشري من الذكاء الاصطناعي ، أيهما ستكون له الغلبة ، عقل الإنسان أم البرمجيات المتمثلة في المخترع المعاصر الذكاء الاصطناعي ، وهل سيحل هذا العقل الميموري محل الإنسان.؟!
الرأي عندي ، لا يمكن بحال من الأحوال أن نستعيض بالعقل الاصطناعي عن العقل الإنساني ، لماذا ؟! لأن الذي اخترع هذه العقول المبرمجة هو العقل الإنساني ومن ثم فالآلة هي التي دوما في حاجة إلى مخترعها ، لأنها دوما ما تحتاج إلى صيانة وتحديث برمجي يواكب متغيرات العصر ومتطلباته ومستجداته ، ومن ثم سيبقى العقل الإنساني نشط فعال قائدا دفة الأمور وليس مقودا .
وشاهدي على ذلك ، فلتطلبوا من الذكاء الاصطناعي أن يقدم لكم معلومات عنكم ، سيطلب منكم أن تمدوا ذاكرته بهذه المعلومات ثم يعيد فلترتها ويقدمها إليكم.
لكن ومع التقدم الهائل في الثورة المعلوماتية وسرعة وتيرة الحياة ، ومواكبة للعصر لا مندوحة من استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في كل المجالات سواء الإقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو التعليمية ، واركز على التعليم روح الأمة فلا استقامة لأمة دون الاستقامة في تعليم أبنائهم ، نعم من الممكن استخدامه في التعليم شريطة أن تكون هناك دورات تدريبة للطلاب و المعلمين على حد سواء ، دورات تأهيلية للتدريب على إستخدام هذه التقنيات ، سواء إنشاء فصول افتراضية ، أو إنشاء اختبارات وتصحيحها اختصارا للوقت.
وقد تم تفعيل ذلك وقت جائحة كورونا وحققت نتائج مذهلة لكن التدريب أخذ وقتا طويلا وجهدا شاقا ، لكن وهذا يؤكد ما ذهبت إليه ، استطاع العقل الإنساني تجاوز هذه العقبات وتعامل مع كل هذه التقنيات الحديثة.
لكن يبقى السؤال الأهم ، هل الذكاء الاصطناعي سيضمن للكتاب والمؤلفين والباحثين حماية مؤلفاتهم من السرقات العلمية والسطو التقني ، هل سيضمن لأصحاب الرسائل العلمية حمايتها من السطو عليها.
أم سيكون العكس هو الصحيح ، وهنا أعود إلى حيث بدأت ، لابد من تشريعات وقوانين تحافظ على حقوق الملكية الفكرية للمؤلفين من الكتاب والأدباء والباحثين.
نحن لا نرفض المواكبة والمعاصرة والتقدم التقني ، لكن دونما إفراط أو تفريط بما يضمن للإنسان حفظ وجوده المادي وتواجده القيمي الفعال.


















0 تعليق