في قلب الغابات المطيرة الكثيفة في شمال أستراليا وغينيا الجديدة، يعيش طائر واحد قادر على قلب المفاهيم المتعارف عليها حول الطيور: الشبنم أو الكاسواري، طائر ضخم، لا يطير، مظهره جذاب بألوان زاهية وخوذة عظمية تعلو رأسه لكنه يحمل صفة لا تتوقعها من طائر: قادر بضربة واحدة على قتل الإنسان، وهذا الكائن النافر والمزاجي يُعد ثاني أثقل طائر على وجه الأرض بعد النعامة.

وزنه قد يصل إلى 75 كيلوجرامًا، أما طوله فيقترب من مترين، وبالرغم من حجمه الكبير إلا أنه قادر على الجري بسرعة تلامس 50 كيلومترًا في الساعة، وكذلك القفز إلى ارتفاع يقارب مترين، لكن أكثر ما يجعله قاتلًا ليس وزنه ولا سرعته بل قدمه.
كل قدم لديه تحتوي على ثلاثة أصابع، أحدها يحمل مخلبًا حادًا يشبه الخنجر، يصل طوله إلى 10 سنتيمترات، وركلة واحدة بهذا المخلب قادرة على كسر العظام أو تمزيق جسد الخصم وهذا ما حدث بالفعل في عام 2019 حين قتل طائر شبنم رجلًا في فلوريدا بعد أن حاول الاقتراب منه.

سلوك غريب… وأنثى لا تهتم بصغارها!
الغريب أن هذا الطائر لا يعيش حياة تشبه بقية الطيور، فالسلوك العائلي لدى الشبنم صادم:
• الأنثى تضع البيض ثم تختفي فورًا!
• الذكر هو من يحضن البيض ويرعى الصغار لمدة تصل إلى 9 أشهر كاملة.
الطائر ينشأ دون أم، ودون حنان، وتحت ضغط الدفاع عن نفسه في بيئة مليئة بالمفترسات — وهذا يعطي تفسيرًا منطقيًا لطبعه العدواني، ورغم عدوانيته، إلا أن غذاءه الأساسي ليس اللحوم، بل الفاكهة. بل يعد واحدًا من أهم الطيور التي تنشر بذور النباتات في الغابات، ما يجعل له دورًا بيئيًا لا يمكن تعويضه.
شكله الأخاذ يخفي قوة مميتة
رغم قسوته، لا يمكن إنكار أن الشبنم من أجمل الطيور:
• جسم مغطى بريش أسود كثيف
• رأس ورقبة بألوان زرقاء وبنفسجية زاهية
• خوذة عظمية قوية فوق الرأس تساعده في اختراق الأشجار الكثيفة أثناء الجري
ولذلك وصفه العلماء بأنه أقرب الطيور شبهًا بالديناصورات… شكلاً وسلوكًا.
هل كان الشبنم أول طائر قام الإنسان بتربيته قبل آلاف السنين؟
دراسة قلبت ما نعرفه عن تدجين الطيور، فبعد تحليل أكثر من 1000 قطعة من قشر البيض المتحجر في ملجأين صخريين بغينيا الجديدة، تبيّن أن البشر قبل نحو 18 ألف عام كانوا يجمعون بيض الشبنم قبل الفقس، ويربون صغاره حتى تنمو وتبلغ.
الدراسة أوضحت أن:
• قشور البيض التي عُثر عليها كانت من مرحلة الحضانة المتأخرة، أي أن الأجنّة كانت شبه مكتملة.
• بعض القشور تحمل آثار حرارة، مما يدل على أن البيض غير الناضج كان يُؤكل.
• لكن معظم البيض الناضج لم تظهر عليه آثار طهي ما يرجح أنه كان يُفقس لاستهلاك الصغار أو تربيتها.
الدكتورة كريستينا دوغلاس، الباحثة الرئيسية في الدراسة، قالت: “هذا السلوك يسبق تدجين الدجاج بآلاف السنين.”
كما أضافت: “الكاسواري ليس طائرًا صغيرًا أو لطيفًا… إنه كبير، مزخرف، وقادر على تمزيق أحشائك.”
ورغم خطورته، فإن صغاره يتعلقون بأول شيء يرونه بعد خروجهم من البيضة، ما يجعل التحكم بها ممكنًا.
لماذا يهتم البشر بطائر خطير كهذا؟
في غينيا الجديدة، حتى اليوم:
• يستخدم السكان ريشه وعظامه في الزينة والاحتفالات.
• يعد لحمه من الأطعمة الفاخرة.
• تتاجر بعض القبائل بصغار الشبنم بعد تربيتها.
وتشير الدراسات إلى أن القبائل القديمة كانت تحتاج مهارات عالية لتجد الأعشاش، فهي لا تكون في مكان ثابت، والذكور لا تتركها طيلة فترة الحضانة — ما دفع الباحثين للاعتقاد بأن الصيادين كانوا يصطادون الذكر ثم يأخذون البيض.
في النهاية، طائر الشبنم ليس مجرد كائن عدواني، إنه جزء دقيق من نظام بيئي كامل، يحمل مظهر الطيور، وقوة المفترسات، وتاريخًا يقول إنه ربما كان أول طائر تعامل معه الإنسان قبل آلاف السنين.
مزيج بين الجمال والخطر بين الرقة والوحشية.













0 تعليق