يفتش الكثير من الناس حول العالم عن أطباق غريبة ومواقف طعام لا تُنسى، إذ يخفي الطعام في طياته تاريخاً وثقافةً وعادات قد تبدو غير مفهومة أو غريبة لمن يأتي من خلفية مختلفة عن مكانها، وتُشير الدراسات في علم الأنثروبولوجيا إلى أن الثقافة الغذائية ما هي إلا حقلاً اجتماعياً كاملاً يعكس الهوية والعادات والمكانة الاجتماعية والتاريخ، ويشير البحث الأكاديمي المعنون Anthropology of Food: History, Topics and Trajectories to Understand a Discipline إلى أن الطعام ليس مجرد غذاء بل يعكس الهوية الثقافية والعادات الاجتماعية، كما يؤكد أن العادات الغذائية الغريبة لدى الشعوب تمثل أدوات لفهم الموروث الثقافي والتكيف مع البيئة، ويضيف أن دراسة هذه الممارسات تساعد على تفسير اختلافات الثقافات والتنوع البشري في أنماط الأكل حول العالم.
أبرز الأكلات غير التقليدية حول العالم

الـ Balut في الفلبين
يُعرض أحياناً البيض المُخصّب الذي يصل عمره إلى نحو أسبوعين أو أكثر ويُسلق أو يُبخّر ثم يؤكل من القشرة مباشرة، مما يجعل المشهد أمام غير المعتاد عليه شديد الغرابة، ويُعتبَر هذا الطبق تحدياً للطعام لدى بعض الزوار ولكن بالنسبة للفلبينيين هو جزء من المأكولات الشعبية يُقدّم غالباً مع الملح أو الخل أو الشطة، ويُقال إن بيئة الشارع هي موطنه الأصلي وتشير المصادر إلى أن هذا الطعام ليس مجرد غرابة بل يعكس تاريخاً من الاقتصاد الشعبي والموارد المحدودة، حيث كان تناول البيض المُخصب يُعدّ مصدراً للبروتين بأسلوب بسيط ويتضمن هذا الطبق عناصر تُثير ردود فعل قوية بالنظر إلى وجود الجنين داخل البيضة لكن يمكن رؤيته أيضاً باعتباره أحد أشكال التكيف الغذائي مع البيئة والثقافة.

الـ Casu marzu في سردينيا الإيطالية
يُنتج نوع من الجبن يُعرف بالجبنة العفنة إذ يُترك ليَتخلّله دود العفن الحي ما يُعزز التخمير ويُمنح الجبن نسيجاً كريميّاً وغريزياً في الوقت ذاته، وتشير المصادر إلى أن انتشار هذا الجبن محظور تجارياً بسبب المخاطر الصحية لكنه ما زال يُنتَج محليّاً ويحظى باعتراف ضمن تراث الطعام المحلي، وتُبيّن هذه الحالة كيف يمكن أن تتحوّل عملية حفظ الطعام وتحويله إلى طقس ثقافي بل إلى تحدٍ غذائي للزوار أو السياح لكن في سياقها المحلي هي عُرف وموروث.

الـ Surströmming في شمال السويد
يُحتفل ببدء موسم تناول سمك الرنجة المخمّر في يوم رسمي هو ثالث خميس من أغسطس ويتميّز هذا الطبق بالرائحة القوية جداً ما دفع الكثير من الزوار إلى وصفه بأنه أحد أغرب أطعمة العالم، ويُحضر بتخمير سمك الرنجة بحر البلطيق في محلول مالح ثم يُعلك في علب مغلقة تسمح بالتخمير المستمر ويأكله السويديون في الهواء الطلق غالباً مع خبز مسطح وبطاطا وبصل، وتُظهر هذه العادة كيف أن الأكل ليس مجرد حاجة بل حدثاً اجتماعياً يحتفي به مجتمع معين ويصبح الجسد والمقادير مجرد جزء من الاحتفال الجماعي.

الـ Hákarl في آيسلندا
يُعد سمك القرش المخمّر حيث يُترك لعدة أشهر ليتحلل قبل أن يُقدم للأكل ويتميّز هذا الطبق برائحة قوية وطعم حاد للغاية بالنسبة للزوار ويأكله المحليون تقليديًا في احتفالات خاصة، ويُعتبر اختبارًا للجرأة والصبر إذ أن التحلل الطويل للسمك يُكسبه خصائص فريدة ويُظهر كيف يمكن أن تتحول الحاجة إلى التكيف مع الموارد المتاحة إلى تقليد غذائي متوارث.

الـ Escamoles في المكسيك
تعتبر حبوب النمل من الأطعمة التقليدية ويُستخرج من عشّ النمل الأبيض وتؤكل مطهوة مع الزبدة أو التوابل وتتميز بقوام كريمي وطعم يشبه المكسرات، ويعتبرها السكان المحليون وجبة فاخرة وغنية بالبروتين وفي المقابل يراها الكثير من السياح شيئًا غريبًا وغير معتاد ويُظهر هذا الطبق كيف أن الثقافات المختلفة تطوّر عادات غذائية تعتمد على الموارد الطبيعية المتاحة والتقاليد المحلية.
وتكشف هذه الأمثلة أن ما قد يبدو غريباً هو في الحقيقة جزء من هوية ثقافية مختارة وإن الاختلاف في الطعام ليس دائماً اختلافاً سلبياً بل هو فرصة لفهم التنوع البشري، كما يعكس صيغاً من التكيف مع البيئة أو المواد المتاحة أو الظروف الاجتماعية وعليه يكون تناول الطعام في أكثر صوره غير التقليدية رسالة عن مكان وعن زمن وعن مجتمع اختار أن يعبّر عن نفسه بهذه الطريقة ويمنحنا فرصة لاستكشاف ثقافات العالم وفهم اختلاف الناس في أبسط تفاصيل حياتهم اليومية من خلال الطعام الذي يتناولونه، ويبرز كيف أن كل طبق يحمل قصة وحكمة وتجربة شعبية طويلة.









0 تعليق