قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، انه يجب علينا أن نضع على أنظارنا منظارًا نرى به العالم من حولنا، بل ونرى به أنفسنا، ونرى به علاقتنا مع ربِّنا، وعلاقتنا بعضنا مع بعض، وعلاقتنا مع هذا الكون الذي يُحيط بنا.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان هذه النظارة التي نريد أن نقرأ بها الواقع، ونقرأ بها النصوص، ونقرأ بها الأدبيات والفنون، ونقرأ بها السياسة والاقتصاد، ونقرأ بها حياتنا كلها، هي "الرحمة".
وقد بدأ الله بها كلامه وهو يبلِّغه للعالمين؛ فأول كلمة نجدها، وأول كلمة تنزل:
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾.
ودائمًا وأبدًا يبدأ فيقول: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾؛ فلم يقل في الفاتحة: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ثم في البقرة: "بسم الله الرحمن المنتقم"، وفي التي بعدها: "بسم الله المنتقم الجبار"… لم يقل، بل قال من أوّل القرآن إلى آخره: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾،
ما عدا سورة التوبة التي لم تبدأ بالبسملة.
وهذا يلفتُ نظرَنا إلى هذه الحقيقة السامية، وهو أن العلاقة التي بيننا وبينه "رحمةٌ في رحمة"؛ أوَّلها رحمة، وآخرها رحمة، بدايتها رحمة، ونهايتها رحمة.
وهو أمر يحتاج إلى التأمّل، وإلى تحويل هذه الرحمة إلى "منهج حياة"، إلى برنامجٍ يومي نعيشه فتطمئنّ له قلوبُنا، إلى منهجٍ حقيقي نقاوم به مَشْرَبَ التشدد، ومشرب الانحراف، ومشرب الفساد الذي قد يُغمي عينَ بعض الناس.
والرحمة وُصف بها سيدُنا النبي ﷺ فقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾
ليس للمسلمين، ولا للسابقين، ولا للاحقين، بل للعالمين.
وهذا كلام يجعلنا نفهم حقيقة الدين؛ وأن حقيقة الدين ما دامت الرسالةُ قد بدأت بهذا، وأصرَّت عليه، وجعلته البداية والنهاية، ووُصِف مُبلِّغُ الرسالة ﷺ به، فهي حقيقةُ الدين.
ويقول رسول الله ﷺ: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ». يعني: ربُّنا أهدى هذه الرحمة للبشرية.
فلا بدّ علينا أن نضع على أعيننا نظارة مكوَّنة من عدستين: "الرحمن – الرحيم".
فنحن ندعو الناس أجمعين إلى أن يستعينوا بالرحمة في فهم النصوص؛ فالنصوص قابلة للفهم، والنصوص إذا ما سلكنا بها مسلك الرحمة:
لا نجد بينها وبين نصوص أخرى أي تعارض،
ولا نجد بينها وبين الواقع تعارضًا،
ولا بينها وبين المصالح تعارضًا،
ولا بينها وبين فطرة الإنسان تعارضًا.
في حين أننا لو سلكنا بها مسلكَ التشدد، ومشربَ العنف، فإننا نجدها سريعًا ما اصطدمت بالواقع، وسريعًا ما اصطدمت بالمصالح، وتصطدم مع فطرة الإنسان، ومع استقرار الناس.
والعجب العجاب أن كثيرًا من الناس حين يرى المتشددين يفسرون النصوص بتشددهم وعنفهم، فإنهم يُنكرون النصوص، وكأنها هي السبب في البلاء؛ والحاصل غير ذلك.
النصوص بريئة؛ لأنها يمكن أن تُقرأ بالرحمة، فإذا لم تُقرأ بالرحمة كان المعيب هو "القارئ" لا "المقروء".















0 تعليق