ألقى المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، كلمة خلال المؤتمر الدولي الرابع للاتحاد العربي للقضاء الإداري، الذي انعقد اليوم السبت 8 نوفمبر 2025 بدعوة من مجلس الدولة المصري، مؤكداً أن مصر قطعت شوطاً مهماً في تطوير منظومة العدالة والتحول الرقمي بتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، إدراكاً بأن تحديث القضاء والإدارة جزء أصيل من بناء الدولة الحديثة القائمة على سيادة القانون وحسن الإدارة.
بيت العدالة
استهل الوزير كلمته بالتعبير عن سعادته لمشاركته في المؤتمر قائلاً: "لعل سعادتي بهذه المناسبة تتضاعف لأنني أقف اليوم بين أساتذتي وزملائي، وبين قضاة تعلمت على أيديهم معاني العدل وروح الانضباط وجلال القسم، وأنا أحد أبناء مجلس الدولة المصري الذين تشربوا من مدرسته الفكرية، وتعلمت بين جدرانه أن العدالة ليست مجرد نصوص بل هي ضميرٌ مؤسسيٌ حيّ يوازن بين الحق والواجب وبين القانون والرحمة وبين السلطة والمسؤولية".
العدالة الإدارية.. التزام ذاتي على أجهزة الدولة قبل أن تكون رقابة قضائية
وأكد المستشار فوزي أن اختيار موضوع المؤتمر حول العدالة الإدارية في ظل تحديات الذكاء الاصطناعي يعكس وعياً مؤسسياً متقدماً من القضاء الإداري العربي في استشراف المستقبل، مشيراً إلى أن العدالة الإدارية لا تُفهم فقط من منظور قضائي، بل إداري أيضاً. وأوضح أن العدالة الإدارية بمفهومها الإداري تعني التزام أجهزة الدولة بأن تُدير شؤونها بروح العدل قبل أن تخضع لمقاييسه، وأن تجعل من العدالة سلوكاً مؤسسياً متجذراً في ضمير المرفق العام، لتكون الدولة قوية بمؤسساتها وشفافة في إدارتها، بينما تمثل العدالة الإدارية قضائياً رقابة القاضي الإداري على تصرفات الإدارة ضماناً لعدم خروجها عن مقاصد المصلحة العامة، وهو ما يجعلها أداة ضبط وتطوير في آنٍ واحد.
تحديات العدالة في عصر الذكاء الاصطناعي
وقال الوزير، إن العدالة الإدارية لطالما كانت رائدة في ترسيخ مبدأ المشروعية وحماية حقوق الأفراد، لكنها تواجه اليوم تحدياً جديداً يتمثل في تحول أدوات الإدارة والقضاء إلى فضاء رقمي تحكمه الخوارزميات وتوجهه البيانات، وطرح تساؤلاً جوهرياً: "كيف نستفيد من القدرات التقنية الهائلة التي تتضمنها منظومة الذكاء الاصطناعي التي توفر الوقت والجهد وتزيد من الجودة والفاعلية، وفي الوقت ذاته نتجنب أضرارها وتحدياتها ونحافظ على روح العدالة الإنسانية في زمن الآلة والمعادلات والأكواد؟".
ثلاثة محاور رئيسية لتعامل العدالة مع الذكاء الاصطناعي
وأوضح المستشار فوزي، أن التحول الرقمي في العدالة يفرض ثلاثة تحديات أساسية، أن التحدي التشريعي: يتمثل في ضرورة تطوير تشريعات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي وتحدد المسؤولية عن الأخطاء أو التحيزات الخوارزمية، مع حماية البيانات القضائية بوصفها جزءاً من سيادة الدولة القانونية.
التحدي المؤسسي والبشري
شدد الوزير على أن التحول الرقمي لا يقتصر على ميكنة الإجراءات، بل يحتاج إلى بناء كوادر بشرية تفهم منطق الخوارزميات ومخاطرها القانونية والأخلاقية، محذراً من "أتمتة بلا فهم".
التحدي القيمي والإنساني
أكد أن العدالة الإدارية إنسانية في جوهرها، توازن بين النص والضمير، وبين القاعدة والرحمة، بينما الذكاء الاصطناعي – مهما بلغت قدرته – لا يدرك الإحساس أو التقدير، ومن ثم يجب أن تبقى اليد العليا للإنسان، وأن تظل الخوارزمية أداة خاضعة للرقابة لا حَكَماً في مصائر الناس.
التحول الرقمي مسار إصلاحي شامل وليس هدفاً تقنياً
وأكد الوزير أن القيادة السياسية في مصر تؤمن بأن التحول الرقمي ليس هدفاً تقنياً، بل مسار إصلاحي شامل يعزز الشفافية ويصون الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، مشدداً على أن العدالة في زمن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن تكون عادلة إلا إذا ظلت إنسانية في جوهرها ومنضبطة في مرجعيتها القانونية. ودعا إلى تأسيس إطار عربي مشترك ينظم توظيف الذكاء الاصطناعي في الإدارة والقضاء بما يحقق الكفاءة دون الإخلال بضمانات العدالة وحقوق الإنسان.
مصر نموذج رائد في تحديث منظومة العدالة
وأشار المستشار فوزي إلى أن مصر قطعت شوطاً مهماً في تطوير منظومة العدالة والتحول الرقمي بتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، إيماناً بأن تحديث القضاء والإدارة هو جزء أصيل من بناء الدولة الحديثة القائمة على سيادة القانون، لافتاً إلى أن الهدف هو إقامة عدالة رقمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي في جمع وتحليل البيانات لتحقيق الشفافية والسرعة والدقة دون فقدان البعد الإنساني أو المساس باستقلال القاضي.
العدالة الإدارية الذكية عنوان النهضة العربية القادمة
واختتم الوزير كلمته بتوجيه الشكر للاتحاد العربي للقضاء الإداري ولمجلس الدولة المصري على تنظيم المؤتمر، مؤكداً أن هذا المحفل يمثل منصة رفيعة للحوار والتنسيق وتبادل الخبرات بين الدول العربية، بما يعزز وحدة الفكر القانوني العربي، قائلاً: "انعقاد هذا المؤتمر في رحاب القاهرة، مقر أقدم مجلس دولة في العالم العربي، يبعث برسالة واضحة بأن العروبة القانونية ما زالت قادرة على التجدد والإبداع، وأن العدالة الإدارية كانت وستبقى ركيزة أساسية في بناء دولة القانون في منطقتنا".














0 تعليق