مفتي الجمهورية: نواجه اليوم حربا لا تراق فيها الدمـ.ـاء بل تستهدف الوعي والهوية - الفجر سبورت

صدي 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، أن العالم اليوم يواجه حربًا من نوعٍ آخر، تستهدف الوعي والعقل والهوية، لا تُراق فيها الدماء، ولكن تُصاب فيها العقول والأفكار، حربًا تعبث باللغة والتاريخ والحضارة، وتهدد ثوابت الأمة، وتزرع الشك في النفوس، واليأس في القلوب، ومع اتساع وسائل التواصل الاجتماعي، وتعدد منصات البث والمحتوى، أصبحت الشائعات أخطر سلاحٍ يُستخدم لزعزعة الثقة بالنفس، وإضعاف الانتماء الوطني، وتشويه الحقائق الثابتة. 

جاء ذلك خلال كلمة مفتي الجمهورية في الندوة التي نظمتها جامعة دمياط تحت عنوان "بين الحقيقة والبهتان.. رؤية علمية لمواجهة الادعاءات الكاذبة". 

كلمة مفتي الجمهورية في ندوة جامعة دمياط 

وقال مفتي الجمهورية خلال كلمته اليوم الإثنين، إنه لا يوجد أحد منا إلا وقد عايش أثر الشائعات وخطرها، ورأينا كيف كانت سببًا في تدمير دولٍ وشعوبٍ كان يُشار إليها بالبنان في التقدم المادي والعسكري والعلمي، فنراها قد أطاحت بأممٍ بلغت شأوًا عظيمًا في مضمار التطور والتكنولوجيا والعمران، مؤكدًا أنه لم يَسلم  أحد في هذا العصر  من آثار هذه الشائعات المضللة مما يؤكد أن خطر الكلمة المزيّفة لا يقل عن خطر الرصاصة القاتلة.

وأوضح مفتي الجمهورية أن جامعة دمياط أحسنت صنعًا حين اختارت هذا الموضوع الحيوي؛ ليُطرح على مائدة النقاش، لأن الحرب في هذا العصر لم تعد حربًا مادية فقط كما عهدناها في الماضي، والتي عايشنا آثارها المدمرة على النفس والمال والإنسانية، من قبل كيان غاشم لا يرعى للكرامة البشرية حرمة، ولا لدين الله احترامًا، في حربٍ جاوزت العامين على غزة، وأظهرت للعالم حجم ما تخلّفه الحروب من دمار ومعاناة.

المفتي: الوعي والرقابة الذاتية هما الحصن الحقيقي في مواجهة زيف الشائعات والأفكار المضللة

وأضاف مفتي الجهورية أن أثر هذه الشائعات لا يقتصر على من يروِّج لها أو من تُقال في حقه، بل يتعدى ذلك إلى آثار مادية ونفسية واجتماعية خطيرة على المجتمعات، موضحًا أن الشائعة في حقيقتها ليست إلا رأيًا أو فكرة أو وجهة نظر يسعى صاحبها إلى نشرها وبثها دون ضابطٍ من دينٍ أو خُلُقٍ أو عرفٍ أو قانون، متجاهلًا تلك الضوابط التي نشأت عليها المجتمعات المستقيمة، والتي جاءت لحماية الكرامة الإنسانية وصيانة السلم الاجتماعي.

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن القيم والعادات والتقاليد التي تربى عليها المجتمع كانت كفيلة بحماية الناس من الانزلاق وراء الأكاذيب، إلا أن عصر التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل أضعف هذه المبادئ لدى كثيرين، فلم يلتزم بها إلا أصحاب الأخلاق الرفيعة والعقول المستقيمة. 

ونبه على أن من أخطر أسباب انتشار الشائعات، هو سعي بعض الناس وراء ما يسمى ب"الترند" دون وعيٍ أو مسؤولية، ولهذا قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا" مؤكدًا أنه ينبغي على الفرد أن يتحلى بالفطنة والذكاء عند تلقي المعلومات، وأن يتحقق من صدقها ومصدرها قبل نشرها، وقد أخبر النبي الكريم بجرم ذلك فقال  ﷺ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»  بل قد يصل خطره إلى درجة النفاق التي وصفها الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: 145]، وقال النبي ﷺ: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ).

مفتي الجمهورية: غياب الوازع الديني يمثل أحد أهم أسباب التورط في ترويج الشائعات والعمل على انتشارها

وأوضح مفتي الجمهورية أن من دواعي انتشار الشائعات أيضًا سوء استخدام وسائل التقنية الحديثة، داعيًا إلى توظيفها في الجوانب الإيجابية التي تخدم الوعي والمعرفة، محذرًا من استخدامها في نشر الأكاذيب والإيذاء، مستشهدًا بقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]، وبقوله سبحانه: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"مؤكدًا أن الوعي والرقابة الذاتية هما الحصن الحقيقي في مواجهة زيف الشائعات، وأن الكلمة أمانة، وأن من يخشى الله في قوله وفعله يسهم في بناء وطنه وحماية مجتمعه.

ولفت مفتي الجمهورية إلى أننا لا نمانع من استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في مجالات الترفيه المباح ما دام الإنسان يراقب ربه في استعمالها، فيجعلها وسيلة للخير لا بابًا للشر، كما لا نمانع من توظيف التقنيات الحديثة في خدمة البحث العلمي لأنها سبيل لاستعادة الكرامة الإنسانية وبناء المعرفة، مستشهدًا بما ورد  أن رسول الله ﷺ بعث بعض أصحابه لتعلُّم اللغات والقراءة والكتابة إدراكًا منه لأهمية العلم وأثره في نهضة الأمم وأخذا منه بمعطيات العصر 

وبيّن مفتي الجمهورية أن غياب الوازع الديني يمثل أحد أهم أسباب التورط في ترويج الشائعات، محذرًا الشباب من الانسياق وراء الدعوات التي تحاول فصل الدين عن الواقع أو التقليل من شأنه، لأن الدين هو الذي يغرس في الإنسان الرقابة الذاتية ويدفعه إلى الالتزام بالحق والواجب حتى إذا غابت عنه أعين الناس، سواء تحققت العقوبة أم لم تتحقق. وضرب فضيلته مثالًا بمن يختلي بنفسه أمام الشاشات ليطّلع على ما حرم الله في غياب الرقيب البشري، مؤكدًا أن غياب الرقابة الدينية هو أول طريق الانحراف، مستشهدًا بقول النبي ﷺ: (الإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر )

وألمح المفتي إلى أن غياب الوازع الديني يؤدي إلى الاستهانة بالحقوق والواجبات والاعتداء على المحرمات، موضحًا أن الشائعات تهدم الكليات الخمس التي جاء الشرع لحفظها: الدين، والنفس، والعقل، والعِرض، والمال، وهي نفسها الركائز التي يسعى الوطن لحمايتها وصيانتها مشيرًا إلى أن الشائعات قد تهدم البيوت وتقوّض الحضارات.

واستشهد المفتي بحادثة الإفك التي اهتزت لها المدينة المنورة، حينما روّج المنافقون شائعةً مسيئة طالت بيت النبي ﷺ، فمرّ بها رسول الله بمشقةٍ بالغة أثرت في نفسه الشريفة، دون أن يراعي هؤلاء حرمة لمكانته ومنزلته، وهو درسٌ خالد في وجوب التثبت والتبين قبل نقل الأخبار موضحا أن صاحب المروءة والخلق مطالب بالستر حتى وإن كان ما سمعه حقًّا، مستشهدًا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هلا سترته بثوبك لمن أراد إشاعة ذنب غيره.

وبين المفتي أن مواجهة الشائعات تقوم على عدة عوامل، أهمها نقل المعلومات من مصادرها الرسمية، والتريث في إصدار الأحكام، لأن الله تعالى جعل الإنسان خليفةً في الأرض ليبني ويعمر، لا ليهدم ويفسد، مستشهدا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يكن أحدكم إمعة، يقول إن أحسن الناس أحسنا وإن أساؤوا أسأنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم» 

وشدد مفتي الجهورية على ضرورة الفهم الصحيح للمفاهيم المرتبطة بالشائعات، مؤكدًا أن الإرهاب لا يُنسب إلى الأديان، وأن الجهاد لا يعني العدوان، فالدين من عند الله، وهو ميزانٌ مستقيم لضبط علاقة الإنسان بربه وبالناس من حوله. واستشهد بموقف النبي ﷺ عندما غضب لأن بعض أصحابه أحرقوا قريةً من النمل، وأشار إلى أن الله غفر لامرأة سقت كلبًا ، تأكيدًا على أن الرحمة هي جوهر الأديان ولبّ الإيمان وإن مواجهة الشائعات مسؤولية مشتركة بين الفرد والمجتمع، وإن الوعي الديني والأخلاقي هو الحصن المنيع ضد الزيف والتضليل، داعيًا الشباب إلى أن يجعلوا من العلم والدين جناحين للنهضة، ومن الصدق والرحمة طريقًا لبناء وطنٍ قويٍ متماسكٍ يحيا في ضوء الحق ويزدهر على أساس الوعي واليقين.

وحذَّر المفتي من الانسياق وراء الدعوات التي تروج للأفكار المنحرفة تحت دعاوى الحرية الزائفة، كالدعوة إلى الشذوذ والإلحاد، مؤكدًا أن تلك الدعوات تمثل خطرًا على القيم والأخلاق والمجتمع، لأنها تخرج بالحرية عن معناها الحقيقي إلى الفوضى والانحلال، مضيفًا أن العلاقة بين الفتاة والفتى في الجامعة ليست علاقة صداقة أو انفتاح مطلق، وإنما هي علاقة زمالة علمية محكومة بضوابط الشرع والعرف والعادات الأصيلة، ويضبطها الوازع الديني الذي يصون العرض ويحفظ الكرامة ويهذب السلوك، مشيرًا إلى أن التزام هذه الضوابط هو عنوان الرقي واحترام الذات.

وبيَّن مفتي الجمهورية، أن ديننا الحنيف لا يوجد فيه ما نخجل منه، وإنما الخجل الحقيقي من تصرفات بعض المنتسبين إلى الدين حين يسيئون تمثيله أو يجهلون جوهره، فالدين في أصله نور واعتدال ورحمة، لا تطرف فيه ولا انغلاق، ولا انفلات فيه ولا إساءة باسم الحرية.

ونوه مفتي الجهورية بضرورة وضع الأمور في نصابها الصحيح، مقرنًا ذلك بالقصد الحسن والفهم الواعي، موضحًا أن الإنسان يستطيع أن يحافظ على دينه وأخلاقه في ظل متغيرات العصر إذا فهم أن الله تعالى سخَّر له ما في السماوات والأرض ليكون سيدًا عليها ومسؤولًا عنها، لا عبدًا لشهواته أو أهوائه مؤكدا أن الرقابة الذاتية هي جوهر الإيمان، فهي التي تجعل الإنسان يضبط سلوكه حتى في غياب الرقيب البشري، مستشعرًا أن الله مطّلع عليه في كل حال. 

وأشار إلى أن الحرية في الإسلام ليست مطلقة بلا قيد، وإنما هي حرية منضبطة بالقيم والمقاصد، فـحرية الإنسان تنتهي عند إيذاء الآخرين، والدين لا يلغى الحرية بل ينقيها ويهذبها ويدافع عنها، لأنك – كما قال فضيلته – "حر ما لم تضر بالدين أو العرض أو العقل أو العادة أو النفس.

وأوصى مفتي الجهورية الطلاب بأن يكونوا على المنهج المستقيم القائم على أسس من الدين القويم، وأن يجمعوا في بناء شخصياتهم بين القوة العقلية والروحية والبدنية والأخلاقية، مؤكدًا أهمية الاعتزاز بالهوية والتمسك بالقيم الأصيلة، مع الانفتاح الواعي الذي لا يخرج عن حدود الدين والعرف والعادات. وحذرهم من التجرؤ على الكبار من الآباء والأمهات والأساتذة، مشددًا على أن احترامهم هو من صميم الأخلاق التي دعا إليها الإسلام.

واختتم مفتي الجمهورية كلمته مؤكدًا أن الوعي هو السلاح الحقيقي في مواجهة مثل هذه الحروب الخفية، وأن على الجامعات والمؤسسات الفكرية أن تقوم بدورها في بناء العقل الواعي القادر على التمييز بين الحقيقة والزيف، لأن بناء الوعي هو بناء للوطن، وصيانة للهوية، وتحقيق لمراد الله في إعمار الأرض بالحق والخير والعدل.

وفي لفتة تقدير وعرفان قدم الدكتور محمد عبده عماشة، نائب رئيس جامعة دمياط، درع الجامعة لفضيلة المفتي؛ تقديرا لجهوده في نشر الوعي وتصحيح الفكر لدى الطلاب.

شهدت الندوة حضور الدكتور محمد عبده عماشة نائب رئيس جامعة دمياط، والدكتور محمد عبدالحميد شهاب نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، والمهندسة شيماء صديق نائب محافظ دمياط. 

كما حضر الندوة عدد من عمداء ووكلاء الكليات، وعدد من رؤساء الجامعة السابقين وأعضاء هيئة التدريس، وعدد من القيادات التنفيذية والأكاديمية بمحافظة دمياط إلى جانب لفيف من الدعاة والوعاظ بمنطقة دمياط الأزهرية وجموع من طلاب الجامعة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق