مما لاشك فيه ان مفهوم البشر للخسارة يختلف كلية عما يراه رب السماء والارض ومابينهما . وأكم من أحزان غطت حياتنا بفقدان ضلوع لنا من أضلع حياتنا وظننا ان حياتنا انتهت الا أن رحمة ربنا كانت أعظم وأبقى وأجمل .
حكايات كثيرة وعبر تمر بنا كى تشدد قوتنا وتعضد عزيمتنا كى نستمر ونتقبل ونرضى وربما نتحدى الازمات وقد ننتصر عليها . الخسارة الحياتية يتم التعامل معها بالصبر والاحتساب على من افقدونا استقرارنا وسعادتنا ، ولكن خسارة رجال الاعمال والشركات الكبرى لها مذاق مختلف فهى تعنى النهاية وقيام شركات اخرى على عظام المتهالكين الذين اعلنوا خسارتهم وكلهم أسى وحزن وألم .ففي المؤتمر الصحفي الذي أُعلن فيه عن بيع شركة “نوكيا” إلى “مايكروسوفت”، أنهى الرئيس التنفيذي كلمته بجملةٍ أصبحت رمزًا لنهاية مرحلة: " لم نفعل شيئًا خاطئًا.. ولكن بطريقةٍ ما خسرنا.” وفور انتهاءه من هذا التصريح غلبته دموعه وعلا صوته بالبكاء والنحيب لتمتزج دموعه المخلصة بدموع فريقه الذى بدأ معه البدايات والنهايات ايضا .فلم تكن نوكيا سيئة الإدارة، لكنها لم تتغيّر، العالم كان يتغيّر بسرعة من حولها.
أما هى فقد تأخرت عن مواكبة التطور فخسرت مكانها في القمة، بل وخسرت وجودها نفسه. خسارة نوكيا ألقت برسائل مفادها أنه من لايتغيّر، يُستبعَد وأكدت ايضا على انه من يتوقف عن التعلّم، يتجاوزه الزمن ويتخطاه ويتركه فى مكانه.
ومن بين اهم الدروس المستفادة من خسارة نوكيا وبيعها وزوال عرشها ان الفشل الحقيقي ليس أن تخسر، بل أن تظن أنك عرفت كل شيء؛ فالتعلّم ليس خيارًا بل هو شرطا للبقاء..وخسارة نوكيا تعيدنا الى الواقع الاسرى والى حديث الكثير عن تفانيهم فى اداء واجباتهم الاسرية ومع ذلك لم تستمر حياتهم العائلية ووقع الهجر والانفصال ، الكل يؤكد انه لم يقصر ويتساءل لماذا لم يعترف الاخر بالفضل وتستمر الحياة بحلوها ومرها ؟ الكل يتحدث كثيرا عن حياة أسرية بذل فيه النفيس والغالى من اجل ادخال السعادة والسرور على كل من فيها ؛ ومع ذلك لم تتم سعادته وتركته الحياة وحيدا بعد ان كانت حياته مستقرة وآمنة ، كل الخاسرون يلطمون خدودهم وينعون حظهم من الدنيا ، يصرخون ألما ويعلو صوتهم بأنهم لم يقصروا فلماذا تركهم الاخر وابتعد عنهم ونسى الفضل فيما بينهم !! هذه الاصوات المتعالية والحظوظ الناعية والقلوب المتعبة؛ نسيت ان رؤية الخالق للخسارة البشرية تختلف كلية لما يراه وينتظره البشر ؛ خسارة الابن بوفاته او بعقوقه وجحوده ماهى الا ابتلاء ومنزلة فى الجنة ، خسارة الزوج او الزوجة وتنصل ايا منهما من الاخر ونسيان الفضل ربما يكون خيرا لايعلمه المبتلى وربما يكون امهال من الله للظالم فربما يرجع عن ظلمه وربما يستمر فيأخذه أخذ عزيز مقتدر . ذهب احد الطيبين الى الشيخ جاد الحق شيخ الازهر الاسبق رحمه الله وقال له : أشعر بأن هذه الدنيا بنيت على ظلم ، وأن الظالمين هم الذين اخذوا كل حظوظهم وكل متاعهم ، بل اننى على يقين أن أسوأ خلق الله معيشة ورزقا ودنيا هم المسلمين ، فكيف أن يفعل بنا ربنا الذى وصفنا بأننا خير أمة أخرجت للناس كل هذا البلاء وكيف يجعل للكافرين علينا سبيلا وكيف وكيف وكيف !! وبكى المبتلى ولم يكمل شكواه وهنا اقترب مولانا منه وقال “ بسم الله الرحمن الرحيم.. ليتنى قدمت لحياتى ”.
يابنى هذه ليست الحياة هذه وصلة بين البداية الوهمية والحياة الابدية ، فى هذه الوصلة تبتلى وتنقى من كل الشوائب لتسير الى الحياة وانت لامع القلب والوجه ..لم نفعل شيئا خاطئا ولكننا بطريقة ما خسرنا ، لأننا لم ندرك الهدف والغرض الحقيقى من كل شىء واى شىء وخاصة الابتلاء ….


















0 تعليق