يمثل افتتاح المتحف المصري الكبير (GEM) حدثًا حضاريًا عالميًا يجسد تلاقي العلم بالتاريخ والفن بالهوية الوطنية.
فبعد عقود من التخطيط والتنفيذ منذ العام 2002، أصبح هذا الصرح العملاق نموذجًا فريدًا في توظيف التكنولوجيا الحديثة لخدمة علم الآثار، والحفاظ على التراث الإنساني الممتد لآلاف السنين.
والمتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى لعرض القطع الأثرية، بل مركز بحثي وتعليمي متكامل. فقد صُمم ليكون منصة لتطبيق أحدث أساليب الترميم والتحليل الأثري باستخدام تقنيات النانو، والتصوير الطيفي، والمسح ثلاثي الأبعاد، ما يتيح دراسة المواد المكونة للقطع الأثرية دون الإضرار بها.
ويضم المتحف أكبر معمل ترميم في الشرق الأوسط، مقسمًا إلى وحدات متخصصة لمعالجة الأخشاب، والمعادن، والبرديات، والمنسوجات، والعظام، وفق معايير بيئية دقيقة تحفظ استقرار القطع ضد عوامل الرطوبة والحرارة والضوء.
كما أن العمارة الخارجية للمتحف تتميز بكونها ترجمة معاصرة للروح المصرية القديمة، فواجهة الهرم المائلة المستوحاة من أهرامات الجيزة تربط بين الماضي والحاضر بصريًا وجغرافيًا، إذ يقع المتحف على محور بصري مباشر مع هرم خوفو.
كما جرى تصميم المساحات الداخلية بأسلوب يسمح بانسيابية الحركة، ما يمكّن الزائر من الانتقال من عصور ما قبل التاريخ حتى نهاية العصر الفرعوني في تسلسل زمني دقيق.
وقد اعتمد المتحف على أحدث تقنيات العرض التفاعلي والواقع المعزز الإفتراضي لإحياء المشاهد التاريخية أمام الزائرين. وتتيح أنظمة العرض الرقمية إمكانية التعرف على قصة كل قطعة أثرية بلغات متعددة مما يمنح الزائر قاعدة بيانات متكاملة، مع دعم الذكاء الاصطناعي لتخصيص تجربة الزيارة بحسب اهتمامات الزائرين من مختلف دول العالم.
ويمثل المتحف المصري الكبير مشروعًا استراتيجيا للاقتصاد الثقافي المصري، إذ يُتوقع أن يجذب ملايين الزوار سنويًا، مما ينعكس على تنشيط قطاعات السياحة، والخدمات، حيث تستهدف الدولة قرابة الـ 30 مليون سائح سنويا كمرحلة أولية، وهو ما يعزز من مكانة مصر كمركز عالمي للدراسات الأثرية، من خلال التعاون بين البعثات العلمية والجامعات الدولية في مجالات الترميم والتوثيق الرقمي.
جملة القول، إن يوم الأول من نوفمبر 2025 يمثل يوما خالدا في الذاكرة المصرية، ذلك أن إنجاز إفتتاح المتحف المصري الكبير يمثل بداية لتوسع سياحي واقتصادي وأثري هام، إلى جانب أنه يقدم هدية تراثية للعالم لا يوجد نظير لها بالدول الأخرى مما يعني أن الحضارة بدأت في مصر ولا تزال مصدرا لحضارة العالم بأسره.


















0 تعليق