تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم القنوت في كل صلاة فجر؟
وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: القنوت في فريضة الفجر وغيرها من الفرائض مشروع عند النوازل باتفاق العلماء؛ وذلك من نحو ما تمر به الأمة في هذه الأيام، أما مطلق القنوت فيها، فهو من الأمور الخلافية.
وبينت أن المختار للفتوى أنه سنة مستحبة في كل فجر وجدت نازلة أو لا، ومع ذلك فينبغي أن يترك الناس وما اعتادوا وألفوا، ما دام الأمر واسعًا، فـ"لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المجمع عليه"، ولا ينبغي أن تكون مثل هذه الفروع الخلافية بابًا لنشر الفتن والفرقة فيما بين المسلمين.
بيان معنى القنوت
وأوضحت ان القُنوتُ في اللغة يُطلق على معان متعددة منها: الطَّاعة، والسُّكوت، والقيام في الصَّلاة، والإِمساك عن الكلام، وأشهرها الدُّعاء؛ فقد جاء في "تهذيب اللغة" لأبي منصور الأزهري (9/ 65، ط. دار إحياء التراث العربي): [المشهور في اللغة أن القنوت الدعاء.. رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهرًا في صلاة الصبح بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان] اهـ، ينظر "القاموس المحيط" للفيروزآبادي (ص: 158، ط. مؤسسة الرسالة).
أما القنوت في الاصطلاح: فهو اسم للدعاء في الصلاة، في محل مخصوص من القيام. يُنظر: "الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية" لابن علان الصديقي (2/ 286، ط. جمعية النشر والتأليف الأزهرية).
حكم القنوت في الصلاة عند حلول النوازل
اتفق العلماء على مشروعية القنوت في صلاة الفجر وغيرها من الصلوات عند حلول النوازل وحصول الشدائد، واستدلوا على ذلك بما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا حين قُتِلَ القُرّاء، فما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حزِنَ حزنًا قط أشدَّ منه" أخرجه الإمام البخاري.
وأيضًا بما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قَنَت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر وَالمغرب والعشاء والصبح، في دبر كل صلاة؛ إذا قال: «سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَه» من الركعة الأخيرة، يدعو عليهم، على حَيٍّ من بني سُلَيم، على رِعْلٍ وذَكْوَان وعُصيَّة، ويؤمِّن مَنْ خلفه، أرسلَ إليهم يدعوهم إلى الإِسلام، فقتلوهم" أخرجه أبو داود، وأحمد، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك" وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه".
حكم القنوت في صلاة الفجر
القنوت في صلاة الصبح، اختلف فيه العلماء، والمختار للفتوى أنه سنةٌ نبويةٌ ماضية مندوبٌ إليها شرعًا، وبهذا قال أكثر السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار، وهو مذهب المالكية والشافعية.
وخالفهم في ذلك نفر من أهل العلم ومنعوا من شرعية القنوت في الصبح، وزعم نفر منهم أنه كان مشروعًا ثم نُسِخ، وتمسكوا في ذلك بأحاديث توهم النسخ] اهـ.
وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" بحاشية الدسوقي (1/ 248، ط. دار الفكر): [(و) ندب (قنوت) أي دعاء (سرًّا بصبح) (فقط)] اهـ.
وقال العلامة الدسوقي محشِّيًا عليه: [قوله: (وندب قنوت) ما ذكره المصنف من كونه مستحبًّا هو المشهور، وقال سحنون: إنه سنة، وقال يحيى بن عمر: إنه غير مشروع، وقال ابن زياد: من تركه فسدت صلاته وهو يدل على وجوبه عنده. قوله: (أي دعاء) أشار بهذا إلى أن المراد بالقنوت هنا الدعاء؛ لأنه يطلق في اللغة على أمور منها الطاعة والعبادة] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 27): [ويُسنُّ القنوت في اعتدال ثانية الصبح] اهـ.
وقد جاء هذا عن جمع من الصحابة؛ فقال به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وابن عباس والبراء بن عازب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وقال به خلق من التابعين.
أخرج البيهقي عن العوام بن حمزة قال: سألت أبا عثمان عن القنوت في الصبح. قال: بعد الركوع. قلت: عمن؟ قال: عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم، وأخرج أيضًا: عن أبي رجاء قال: "صلى ابن عباس صلاة الصبح في هذا المسجد فقنت وقرأ هذه الآية: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]"، وأيضًا: عن عبيد بن البراء عن البراء: أنه قنت في الفجر.
والدليل على ذلك ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو عليهم -أي: على قاتلي القراء- ثم ترك، فأمَّا في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا. أخرجه أحمد، وعبد الرزاق، ومن طريقه الدارقطني، والبيهقي، والحاكم في "الأربعين"، والحديث صحيح، وإسناده رجاله موثقون. يُنظر: "مجمع الزوائد" للهيثمي (2/ 139، ط. مكتبة القدسي، القاهرة)، و"المجموع" للنووي (3/ 504، ط. دار الفكر).
وأكدت بناء على ذلك وفي السؤال: القنوت في فريضة الفجر وغيرها من الفرائض مشروع عند النوازل باتفاق العلماء؛ وذلك من نحو ما تمر به الأمة في هذه الأيام، أما مطلق القنوت فيها، فهو من الأمور الخلافية، والمختار للفتوى أنه سنة مستحبة في كل فجر وجدت نازلة أو لا، ومع ذلك فينبغي أن يترك الناس وما اعتادوا وألفوا، ما دام الأمر واسعًا، فـ"لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المجمع عليه"، ولا ينبغي أن تكون مثل هذه الفروع الخلافية بابًا لنشر الفتن والفرقة فيما بين المسلمين.


















0 تعليق