مع اقتراب لحظة الافتتاح التاريخية، تتجه أنظار العالم إلى القاهرة، حيث تستعد مصر لرفع الستار عن أحد أعظم منجزاتها الثقافية في العصر الحديث، المتحف المصري الكبير.
فهذا الصرح الذي طال انتظاره لم يعد مجرد مشروع أثري ضخم، بل أصبح أيقونة عالمية تجسد طموح مصر في إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والحضارة، عبر رؤية متكاملة تمزج بين الحداثة وروح التاريخ.
وقد حظي المتحف باهتمام دولي واسع، باعتباره أكبر متحف أثري في العالم مخصصًا لحضارة واحدة، إذ يضم أكثر من مئة ألف قطعة أثرية نادرة، من بينها كنوز الملك توت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة كاملة في مكان واحد.
ويأتي افتتاح المتحف المصري الكبير ليؤكد مكانة مصر كحارس للتاريخ الإنساني، ووجهة ثقافية عالمية تفتح أبوابها أمام الزوار من كل أنحاء العالم ليعيشوا تجربة فريدة تستحضر سحر الفراعنة في قالب تكنولوجي متطور يليق بمجد الحضارة المصرية الخالدة.
قبل فتح الأبواب | حسين عبد البصير يكشف لـ"صدى البلد": المتحف الكبير سيعرض أسرار مقبرة توت عنخ آمون كاملة لأول مرة في التاريخ
قال الدكتور حسين عبد البصير، عالم الآثار ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد، إن مصر تقف اليوم على أعتاب لحظة تاريخية مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير عند سفح الأهرامات، أكبر مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين، مشيرًا إلى أنه يمثل "أيقونة تجمع عبق الماضي بروعة الحاضر"، ويجسد رؤية الدولة المصرية في تقديم حضارتها للعالم برؤية عصرية تليق بمكانتها التاريخية.
وأوضح عبد البصير أن المتحف الجديد لا يُعد مجرد مبنى لعرض القطع الأثرية، بل مشروع حضاري ضخم يعيد إلى العالم وهج الحضارة المصرية القديمة في ثوب حديث، ويؤكد أن مصر قادرة دائمًا على صون ماضيها وصياغة مستقبلها.
وأضاف أن المتحف يضم أكثر من مئة ألف قطعة أثرية تروي قصة مصر منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصرين اليوناني والروماني، مؤكدًا أن مجموعة الملك الذهبي توت عنخ آمون ستكون من أبرز ما سيجذب أنظار العالم، إذ تُعرض كاملة لأول مرة منذ اكتشافها.
وأشار إلى أن تصميم المتحف جاء ليقدم تجربة غير مسبوقة تربط الماضي بالحاضر وتتيح للزائرين التفاعل مع التاريخ بروح معاصرة، لافتًا إلى أن افتتاحه القريب سيكون حدثًا عالميًا يعكس مكانة مصر الثقافية والحضارية.
وفي حديثه عن أبرز القطع الأثرية المعروضة، قال عبد البصير إن تمثال رمسيس الثاني الضخم، الذي يزن أكثر من 80 طنًا، يتصدر البهو العظيم ليستقبل الزائرين في مشهد مهيب يجسد عظمة الملك وبراعته في فن النحت الملكي.
وأضاف أن تمثال سنوسرت الثالث الواقف يُبرز ملامح القوة والحكمة في وجه الملك الواقعي، بينما يجسد تمثال تحتمس الثالث الجالس عبقرية الملك المحارب الذي أسس أول إمبراطورية مصرية في التاريخ.
وتابع موضحًا أن عمود النصر للملك مرنبتاح يوثق انتصاراته العسكرية، في حين تُعد تماثيل الملك والملكة البطلميين المنتشلة من أعماق البحر نموذجًا فريدًا لمزج الفن المصري باليوناني، في انعكاس لازدهار الحضارة بالإسكندرية القديمة.
وأكد عبد البصير أن قناع توت عنخ آمون الذهبي يظل "القطعة الأيقونية الأشهر في العالم"، فهو مصنوع من الذهب الخالص ومرصع بالأحجار الكريمة، ويُجسد روعة الفن الجنائزي المصري، بينما يعرض المتحف أيضًا العرش الذهبي الاحتفالي للملك توت عنخ آمون، الذي يُظهر مشهدًا إنسانيًا نادرًا بين الملك وزوجته عنخ إسن آمون.
وأشار إلى أن من القطع الفريدة كذلك الخنجر النيزكي لتوت عنخ آمون، المصنوع من معدن مصدره نيزك سقط من السماء، وهو دليل على معرفة المصريين القدماء بالكون والمعادن السماوية، إضافة إلى العربات الحربية الاحتفالية التي تُظهر براعتهم في الصناعة واستخدامها في المواكب الملكية والحروب.
وقال إن المتحف يضم أيضًا مركبي خوفو الشمسيين اللذين اكتُشفا بجوار الهرم الأكبر، وهما من أقدم وأعظم السفن في التاريخ، صُنِعا من خشب الأرز اللبناني ليرافقا الملك في رحلته الأبدية نحو الشمس.
وأوضح عبد البصير أن تمثال الكا الجرانيتي لرمسيس الثاني يجسد روح الملك الأبدية بأسلوب فني يعكس العقيدة المصرية في الخلود، كما تُعد مسلة رمسيس الثاني المعلقة تصميمًا هندسيًا فريدًا يجعل الزائر يراها وكأنها تحوم في الهواء، في حين تُعرض مقاصير توت عنخ آمون الذهبية الأربع لأول مرة مجتمعة لتُظهر روعة الطقوس الجنائزية الملكية.
واختتم “عبد البصير” تصريحاته قائلًا: "المتحف المصري الكبير ليس فقط صرحًا أثريًا، بل تجربة إنسانية وروحية تُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان وتاريخه، وتؤكد أن الحضارة المصرية الخالدة لا تموت، بل تتجدد دومًا لتُلهم العالم من جديد."
0 تعليق