الشمس لا تخطئ موعدها على وجه رمسيس الثاني.. مصر تستعد لظاهرة فريدة بمعبد أبو سمبل - الفجر سبورت

الأسبوع 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تستعد مصر فجر غد، لأحد أكثر المشاهد التاريخية سحرا وإبهارا، حين تتعامد أشعة الشمس على وجه تمثال الملك رمسيس الثاني داخل قدس الأقداس في معبده بمدينة أبو سمبل، في حدث فلكي فريد ينتظره آلاف الزوار من المصريين والسياح مرتين كل عام، ليشهدوا لحظة تُمزج فيها العلم بالأسطورة، والفلك بالخلود.

في تلك الدقائق القليلة، تخترق أشعة الشمس الممر الصخري الممتد بطول 200 متر داخل المعبد، لتضيء وجوه رمسيس الثاني واثنين من آلهة مصر القديمة (رع حور آختي وآمون رع) بينما تظل تماثيل الإله الرابع بتاح في الظل، إذ يعد إله الظلام في العقيدة المصرية القديمة.

مشهد مهيب يعيد للذاكرة عبقرية الفراعنة في علوم الفلك والهندسة والنحت، الذين رسموا حركة الشمس على مدار العام بدقة مذهلة منذ أكثر من 33 قرنا من الزمان.

وفجر غد، حين تبدأ أشعة الشمس في الزحف داخل المعبد، تصمت الحشود مبهورة أمام المشهد الفريد، في لحظة تمتزج فيها هيبة المكان بروعة الزمان، يلتقي الحاضر بالماضي، ويشعر كل من يشاهد الحدث بأنه جزء من حضارة لا تزال تنبض بالحياة رغم مرور آلاف السنين.

تستمر الظاهرة نحو 25 دقيقة فقط، لكنها تختصر آلاف السنين من المعرفة، إذ تؤكد أن المصريين القدماء لم يكونوا مجرد بناة للأهرامات والمعابد، بل كانوا علماء فلك ومهندسين وفنانين سبقوا عصرهم بقرون.

وحول أسباب تعامد الشمس في هذين اليومين فقط، توجد روايتان، الأولى تقول إن التصميم الفلكي للمعبد جاء لتحديد بداية الموسم الزراعي وخصوبة الأرض، والثانية تشير إلى أن التاريخين يتوافقان مع يوم ميلاد رمسيس الثاني ويوم تتويجه على العرش.

يعد معبد أبو سمبل واحدا من أروع الإنجازات المعمارية في التاريخ الإنساني، فهو ليس مجرد صرح حجري، بل رسالة خالدة عن عظمة مصر القديمة.

شيد المعبد، الملك رمسيس الثاني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد خلال حكم الأسرة التاسعة عشرة، ليخلد انتصاراته في معركة قادش، ويظهر قوته وتأليه ذاته، كما شيد إلى جواره معبدا أصغر لزوجته المحبوبة الملكة نفرتاري تكريما لها وللإلهة حتحور، ربة الجمال والحب والموسيقى.

واجهة المعبد الكبير تثير الدهشة: 4 تماثيل عملاقة للملك رمسيس الثاني، يبلغ ارتفاع الواحد منها 22 مترا، منحوتة مباشرة في الصخر، تبتسم بثقة كأنها تحرس النيل إلى الأبد، أما داخل المعبد، فتمتد القاعات المزينة بالنقوش التي تحكي بطولات الملك في المعارك، وتؤكد كيف بلغ فن النحت والتخطيط لدى المصريين القدماء أوجه في هذا العصر الذهبي.

وإلى الشمال من المعبد الكبير، يقع معبد نفرتاري، المنحوت في الصخر ذاته، حيث تتساوى تماثيل الملكة تقريبا مع تماثيل الملك، في مشهد نادر يعكس تقدير المرأة في الحضارة المصرية القديمة ومكانتها إلى جوار الملك في الحياة والخلود.

قصة معبد أبو سمبل لم تتوقف عند بنائه، بل كتبت له حياة جديدة بعد آلاف السنين في واحدة من أعظم عمليات الإنقاذ الأثري في التاريخ الحديث.

ففي ستينيات القرن الماضي، ومع بناء السد العالي في أسوان، كان المعبد مهدداً بالغرق تحت مياه بحيرة ناصر، عندها أطلقت منظمة اليونسكو عام 1959 نداء دوليا لإنقاذ آثار النوبة، واستجابت مصر سريعا لتبدأ ملحمة علمية وإنسانية غير مسبوقة.

ففي عام 1964، اجتمع فريق دولي من علماء الآثار والمهندسين والفنيين من أكثر من 50 دولة، ليبدأ مشروع نقل المعبدين الكبير والصغير إلى موقعهما الجديد على ارتفاع 65 مترا فوق مستوى البحيرة، وعلى بعد 200 متر من موقعيهما الأصليين.

تم تقطيع المعبدين إلى نحو ألف كتلة ضخمة، يصل وزن الواحدة منها إلى 30 طنا، باستخدام أحدث تقنيات القطع والنقل في ذلك الوقت، ثم أعيد تركيبها بدقة مذهلة لتطابق الوضع الأصلي من حيث الزوايا واتجاهات الشمس.

واستغرقت عملية نقل المعبدين نحو ست سنوات من العمل المتواصل، وانتهت عام 1968، لتصبح إحدى أعظم معجزات الهندسة الأثرية في القرن العشرين.

وخلال تلك الملحمة، قام مركز تسجيل الآثار المصرية بتوثيق كل نقوش المعبدين بالتصوير والرسم والرفع المعماري، لتبقى السجلات محفوظة كوثيقة خالدة لتلك العملية التي أنقذت جزءا من روح مصر القديمة من الغرق الأبدي.

منذ أن رصدت الكاتبة البريطانية إميليا إدواردز ظاهرة تعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني لأول مرة عام 1874 ودوّنتها في كتابها الشهير «ألف ميل فوق النيل»، أصبحت ظاهرة تعامد الشمس في أبو سمبل حدثاً عالمياً يتابعه العلماء والسياح على حد سواء.

وقبل عملية النقل، كانت الظاهرة تحدث في 21 أكتوبر و21 فبراير، لكنها تغيّرت يوماً واحداً بعد إعادة تركيب المعبد لتصبح في 22 أكتوبر و22 فبراير، وهو ما يعكس دقة مذهلة في حسابات المصريين القدماء.

واليوم، يقف معبد أبو سمبل شامخاً على ضفاف بحيرة ناصر، مدرجاً ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو تحت مسمى "آثار النوبة"، الممتدة من أبو سمبل حتى جزيرة فيلة، ويظل المعبدان الكبير والصغير رمزين للحب والعبقرية والإرادة: حب رمسيس لنفرتاري، وعبقرية المصري في العمارة والفلك، وإرادة أمة أنقذت تراثها من الغرق.

ومع كل شروق شمس يتعامد على وجه رمسيس، تتجدد رسالة الحضارة المصرية للعالم: أن الشمس قد تغيب عن الأفق، لكنها لا تغيب أبداً عن مصر لأنها أرض الخلود والنور الأول.

اقرأ أيضاً
موعد تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني بمعبد أبو سمبل

مدينة أبو سمبل تتزين لاستقبال الزائرين لمشاهدة ظاهرة تعامد الشمس فجر الأربعاء

أبو سمبل تتزين لاستقبال احتفالات تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق