في مثل هذا اليوم 18 أكتوبر عام 2015، فقدت مصر والعالم العربي الروائي والكاتب الصحفي الكبير جمال الغيطاني، أحد أعمدة السرد العربي الحديث، وصاحب بصمة فريدة في إحياء التراث الأدبي برؤية معاصرة، امتلك تجربة أدبية وصحفية ثرية، جعلته في طليعة كتاب جيله، وأحد أبرز المؤثرين في المشهد الثقافي المصري والعربي، وقد عرف بلقب «النساج» لطريقته الفريدة في نسج الحكايات والروايات التي جمعت بين التاريخ والخيال والفلسفة.
ولد جمال أحمد الغيطاني في 9 مايو 1945 في مدينة جهينة بمحافظة سوهاج في صعيد مصر، وتخرج من مدرسة العباسية الثانوية الفنية، وعمل وهو طفل في صناعة السجاد، ثم واصل دراسته في مجال الصباغة والطباعة بكلية الفنون التطبيقية، واشتغل مفتشا ثم مشرفا على مصانع السجاد في عدة محافظات، كما شغل منصب سكرتير الجمعية التعاونية المصرية لصناع وفناني خان الخليلي، وقد انعكس هذا التكوين العملي المبكر في عمق تجربته الإنسانية والمعرفية، التي ظهرت في كتاباته الأدبية لاحقا.
بدأ الغيطاني الكتابة مبكرا، حيث خط أول قصة قصيرة له عام 1959 بعنوان نهاية السكير، وفي الفترة من عام 1963 إلى 1969 نشر نحو خمسين قصة قصيرة في عدد من المجلات والصحف.
وفي مارس 1969، جاءت نقطة التحول الحقيقية في مسيرته الأدبية بإصدار مجموعته القصصية أوراق شاب عاش منذ ألف عام، التي ضمت خمس قصص قصيرة، واعتبرها بعض النقاد انطلاقة جديدة ومختلفة في مسار القصة المصرية القصيرة.
وفي عام 1969، غير الغيطاني مسار عمله ليتحول إلى مراسل حربي في جبهات القتال بمؤسسة أخبار اليوم، ثم انتقل عام 1974 إلى قسم التحقيقات الصحفية، وبفضل كفاءته تمت ترقيته عام 1985، ليصبح رئيسا للقسم الأدبي بالمؤسسة، وفي عام 1993، أسس صحيفة أخبار الأدب، وترأس تحريرها، لتصبح من أهم الصحف الثقافية في مصر والعالم العربي.
تأثر الغيطاني كثيرا بأستاذه وصديقه الأديب الروائي نجيب محفوظ، الذي كان له دور كبير في بلوغه هذه المكانة الأدبية إلى جانب اطلاعه الموسوعي على الأدب العربي القديم، وقد أسهم الغيطاني في إحياء الكثير من النصوص العربية المنسية وإعادة اكتشاف التراث الأدبي برؤية معاصرة وجادة، حتى وصفه النقاد بأنه "قامة أدبية كبيرة وأحد رواد الرواية والسرد في مصر والعالم العربي.
ومن أبرز أعماله الأدبية، وربما أشهرها رواية «الزيني بركات» الصادرة عام 1974، والتي تناولت بعمق موضوعات القمع والخوف في التاريخ السياسي من خلال رئيس البصاصين في الحقبة المملوكية، وحظيت باهتمام واسع، وترجمت إلى عدة لغات، وتحولت إلى مسلسل درامي شهير، ووصفت بأنها إحدى العلامات البارزة في الرواية العربية، حيث قدمت نموذجا فريدا في استخدام التاريخ كأداة لقراءة الحاضر.
ترك الغيطاني إرثا أدبيا غنيا من المؤلفات، أبرزها: حراس البوابة الشرقية عام 1975، حكايات الغريب 1983، أسفار الأسفار 1992، آفاق الذاكرة 1998، إبراء الذمة 2000، خلسات الكرى 2009، الرفاعي 2011، حكايات الخبيئة 2014، ودفاتر التدوين 2015.
كما ترجم العديد من مؤلفاته إلى الألمانية والفرنسية منها: الزيني بركات و وقائع حارة الزعفراني ورواية رسالة البصائر والمصائر إلى الألمانية، ورواية حكايات المؤسسة عام 2002، والتجليات بأجزائها الثلاثة في مجلد واحد إلى الفرنسية.
نال الغيطاني عددا من الجوائز والتكريمات المحلية والدولية المرموقة، أبرزها: جائزة الدولة التشجيعية للرواية عام 1980، جائزة سلطان بن علي العويس عام 1997، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وسام الاستحقاق الفرنسي من طبقة فارس عام 1987، وجائزة جرينزانا كافور 2006 للأدب الأجنبي - إيطاليا، جائزة الدولة التقديرية بمصر عام 2007، والتي رشحته لها جامعة سوهاج، وجائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع الآداب للدورة الثالثة 2009 عن رواية رن، وجائزة النيل للآداب 2015.
وتوفى جمال الغيطاني يوم الأحد 5 محرم 1437 هـ الموافق 18 أكتوبر 2015، في مستشفى الجلاء العسكري بالقاهرة، عن عمر ناهز السبعين عاما، بعد صراع طويل مع المرض ودخوله غيبوبة استمرت أكثر من ثلاثة أشهر.
كرمت الدولة اسمه بإطلاقه على أحد الشوارع المتفرعة من شارع المعز لدين الله الفاطمي في القاهرة، كما أُطلق اسمه على إحدى المدارس في مسقط رأسه بمحافظة سوهاج.
ترك جمال الغيطاني خلفه تجربة أدبية وإنسانية تعد من العلامات الفارقة في تاريخ الأدب العربي الحديث، حيث جمع بين الصحافة والرواية، بين التراث والتجريب، وبين التوثيق الفني واللغة البصرية، كان الغيطاني نساجا حقيقيا في فن السرد، حارسا للذاكرة، ومجددا للهوية الثقافية العربية من خلال نصوص خالدة ما زالت تحاور الواقع العربي حتى اليوم.
اقرأ أيضاً
في ذكرى رحيل جمال الغيطاني.. بدأ مشواره المهني كرسام وتأثر بنجيب محفوظفي ذكرى الغيطاني.. المراسل الحربي الذي أمسك بخيوط الزمن العابر
0 تعليق